إلى أُمي وأبي مع التحية
عيد الأُم/ الأب ليست سويعات مارّة، أو ابتسامات سارّة، أو صورة قارّة.. فعيدهم الأكبر و الأعظم والحقيقي هو الوفاء بحقهم وخدمتهم والاعتناء بهم طيلة أيام وجودهم بيننا.
على كلٍ، فالبعض منا مع الأسف يُراهن على كثرة الآيات والأحاديث في حقها بالاستشهاد.. طالما كانت قوية وبوعيها، وذلك في سبيل تفاخر التصوير معها، وما أن يتعبها الكبر إلا وصارت كرهينة بغرفة مقفلة كالسجن عند هذا الولد أو تلك البنت!
أو عند تلك العاملة المُستأجرة، والمرهونة بقيمة شهرية.. بعد أن كانت تصنع من الورق والقماش الفرح كالدُمية والطيارة والوسادة.. أليس كذلك؟!!
لذا، فأيُّ كلامٍ يختزل مسمى الأُم، وأيُّ معنىً يليق بجمالها، وأيُّ جنةٍ تمشي عليها؟!
نعم، استفهامات تُحدد كم مقدار أعمارنا معها؛ وكم تبقى منه ليوفي حقها؛ وحق كلَّ راحلٍّ عنا بمعاني الرجاء؟
أنعتصر الذاكرة لطفولتنا البسيطة، ونحن ندس رؤوسنا تحت خيوط (ملفعها المطرز)؛ أم لنحسُب تلك المسافة التي تحف (سُفرة) الطعام، والعناية والرعاية التي أودعتها فيما بين الإخوان والأخوات؟!
حقيقة، كلما تجلت أمامي الدروب، وعثرني فحيح الخطوب، وأوهنني لون الشحوب، تشكلت أمام ناظريَّ "اسم الله عليك يا يمّه"، "وما عليك شر يا يمّه"، "والله عليك حافظ"..
لست وحدي من يُقال له ذلك فحسب، ولكن أردت أن أقترب من إنسانيتنا قليلاً.. لنستحضر كيف كانت ونكون في ظل باقات الأزهار وتعداد الأسفار..
فما حال من ألهب حنينه القدر وسيجته دموع الزهر؛ لطفولةٍ تسأل بعين تائهةٍ: وين راحت (أُمنا)؟!
لم أنس أناملها وهي تدهن رقابنا ساعة الألم، لتضخم (اللوز) بزيت الزيتون أو الكريم.. ليكون ختام ذلك بركة الشفاء في "وحده من سبع، وثنتين من سبع" بغترة عمي أو أبي!
وكيف لنا أن نتجاهل ذلك بالنسيان، أم أن الإجابة في تُميرات النخيل المغموسة بدهن (أبو كرسي وارد المحروس).. وتهافُتنا عليه بالبهجة ساعة الغليان!
وأيُّ منا لا يتذكر (جدر الهريس)، وقد لفه (سنون طبّاخ أبو فتيلة)، وكأن أعيننا تقول: متى يا (يمّه تضربينها بالمحركة، وناكل الحكوكة)؟!
كل هذا في جانبٍ، وفي الضفة الأُخرى خطواتنا حين نودعها ساعات المحن، وهي تتضرع لربنا بالدعاء والاستجابة!
وكيف للأيتام، وهي تحوم كحمامٍ مُسجىً فوق لزوجة الطين المُتخم بالذكريات؟!
تعذريني أجيك البيت
وامر المقبره أكثر
أمي ويا حلو ممشاك
وليش اللوم واتحسر؟!
وسوم: العدد 817