لحنُ القَول : بين الخير والشرّ .. وبين السياسة والنفاق!
قال أحدهم في شعره : وخيرُ الكلام ، ما كان لحناً !
أيْ : ما عُرف بالمعنى ، ولم يُصرَّح به !
قال عالم اللغة ، أبو زيد : (لحَنتُ له ( بالفتح ) ألحَن لحناً : إذا قلتُ له قولاً ، يفهمه ، ويخفى على غيره ). ولحِنَه ، هو، عنّي بالكسر ، يلحَنه لحناً ، أيْ : فهمَه . وألحنتُه ، أنا ، إيّاه .. ولاحنتُ الناسَ فاطنتُهُم ، قال الفزاري :
وحديثٌ ألذُّه ، هو ممّا = يَنعَت الناعتون ، يوزَن وَزنا !
منطقٌ رائعٌ ، وتَلحَن أحيا ناً ، وخيرُ الحديث ما كان لحَنا !
يريد أنها تتكلّم بشيء ، وهي تريد غيره ، وتعرّض ، في حديثها، فتزيلُه عن جهته ؛ من فطنتها وذكائها. وقد قال تعالى : (ولتَعرفنّهم في لحن القول) ، وقال القتّال الكلِابي :
ولقد وَحَيتُ لكم ، لكَيما تَفهموا = ولحَنتُ لحناً ليسَ بالمرتابِ !
وقال مَرّار الأسدي :
ولحّنتِ لحناً ، فيه غشٌ ، ورابَني = صُدودُكِ ، تُرضينَ الوُشاةَ الأعاديا !
قد تلتبس السياسة بالنفاق ، وقد يلتبس النفاق بالسياسة ..
وقد تدخل عناصر مختلفة ، في المسألة ، مثل :
المصانعة .. المسايرة .. المجاملة ..! وكثيرٌ من هذه العناصر، يكون في الخير، وبعضُها يكون في الشرّ!
كما قد تدخل عناصر مختلفة ، من نوع آخر، مثل : المكر، والكيد ، والخديعة ، والمراوغة ..! وأكثر هذه العناصر، يكون في الشرّ؛ إلاّ ماكان نوعاً من المَكر الحَسن ! أمّا المَكرُ السيّء ، فمذموم ، وهو: لا يَحيق إلاّ بأهله !
وقد ورد في الحديث الشريف: الحربُ خُدعة !
كما ورد في السيرة ، أن النبيّ طلب ، من موفَدَيه ، لاستقصاء موقف قريظة ، حين بلغه نبأ تآمرها ، مع قريش، في معركة الخندق : أن يَلحَنا له لحناً يعرفه ، كيلا يصرّحا بالخبر؛ فيفتّ في عضد المسلمين ؛ إن صحّ خبرُ تآمر قريظة ، مع قريش ، فقالا له ، حين رجعا:(عَضَل والقارّة) ! أيْ : أن قريظة غدرت ، كغَدر عضَل والقارّة ، بمجموعة المسلمين ، الذين انتُدبوا ، ليعلّموهم القرآن ! وكانت هذه إشارة واضحة ، فهمها النبيّ ، دون الآخرين !
فكيف يَميز العاقل ، لحنَ الخير، من لحن الشرّ ، بين هذه المصطلحات !؟
هنا ، تدخل عناصر كثيرة ، تساعد ، في معرفة لحن الخير، ولحن الشرّ ، منها:
المعرفة الشخصية ، ومعرفة نيّة اللاحن ، والموقف الذي يُلحن فيه اللحن !
وقد يكون اللحن واجباً ، أحياناً .. ويكون مستحبّاً ، أحياناً ، ويكون مذموماً ، أحياناً !
وإدراكُ هذا ، كلّه ، من شأن الألباب ، والألبّاء!
وسوم: العدد 817