صنارة حافظ الأسد ونبيذ الجولان
أعداد المستوطنين الإسرائيليين في الجولان المحتل تجاوزت أعداد سكانه السوريين، 26,000 مقابل 22,000؛ ومنشآت الاستيطان، العمرانية والاقتصادية والسياحية، بما في ذلك المنتجعات ومراكز التزلج، لم تعد تقبل أية مقارنة مع تمثيلات الوجود والبقاء والصمود الموازية لدى الجولانيين في البلدات الأربع، مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنيا. ويندر أنّ زائراً أجنبياً للهضبة المحتلة، حتى ذاك الذي لا يحمل تعاطفاً خاصاً مع دولة الاحتلال، يمكن أن يأتي إليها وفي منظوره العام أنها أرض سورية، بحكم القانون الدولي على الأقلّ.
ثمة ما يثير حسّ السخرية لديه، إذْ يتفرج ــ ضاحكاً ملء شدقيه، أغلب الظنّ ــ على تمثال من الصفيح أقامه المستوطنون أعلى تلّ يطلّ على بحيرة طبرية، يمثل حافظ الأسد وقد اصطاد سمكة؛ في إشارة إلى تأكيده، خلال اللقاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون في جنيف، آذار (مارس) 2000، أنه اعتاد اصطياد السمك على ضفاف البحيرة. وثمة ما يثير الفخار لدى الزائر إياه، حين تروي له التجهيزات السمعية في تلّ الفخّار «بطولات» لواء المشاة الإسرائيلي «غولاني» في احتلال الموقع؛ الحصين فعلاً، ويصعب للعقل أن يصدّق سقوطه عسكرياً، مقابل فرضية الانسحاب منه أو حتى تسليمه. وأمّا حين يبلغ الزائر ذلك الموقع (السياحي، بامتياز!) المطلّ على مرصد تلّ أبو الندى، فيبصر بطاح الجولان وسهوله ومعظم «كرتونة البيض» الفريدة هذه؛ فإنّ التماهي مع «القانون الدولي»، الذي بات العلامة الوحيدة على أنّ الأرض سورية ومحتلة، لا يتلاشى دون إبطاء، أو ينعدم تلقائياً، فحسب؛ بل يصبح أضحوكة… سوداء.
إذْ، بمعزل عن القرار الإسرائيلي بضمّ الجولان في سنة 1982، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه، أيّ قانون دولي يمكن أن ينفع الانتهاك اليومي للكرامة الوطنية السورية في الجولان؟ وأية «سيادة» هذه التي يمكن للعالم أن يحتسبها لنظام شنّ الحروب الشعواء ضدّ الشعب السوري نفسه، وأوّلاً، في تسعة أعشار قرى وبلدات ومدن سوريا؟ وحين انتفض الشعب السوري من أجل الحرية ودولة الحقّ والقانون والعيش الكريم، سحب النظام القوّات التي سُمح له بالإبقاء عليها في الهضبة، فاستدارت لكي تقصف السوريين في بيوتهم ومدارسهم ومخابزهم ومشافيهم وأسواقهم.
وقد تكون واحدة من ذرى التبادل الودّي، بين النظام السوري ودولة الاحتلال، تلك التي تولى إدارتها الصحافي البريطاني الراحل باتريك سيل، صيف 1999؛ حين نقل على لسان الأسد الأب عبارة إعجاب بشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك: «رجل صادق وقوي»؛ فردّ الأخير التحية، بأنّ الأسد هو الذي «أعطى الأمّة السورية صيغة وجودها الحالية». بيد أن صنارة الأسد اصطدمت عند باراك بمنتجعات الجولان، من جهة أولى؛ كما رجحت، من جهة ثانية، كفة التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية التي تقول إنّ أيام الأسد الأب باتت معدودة، ولا طائل وراء التعاطي معه قبل أن تتضح ملامح وريثه.
ولم يتأخر الوقت قبل أن تقرّر دولة الاحتلال (عبر حكومات متعاقبة، وفي مناسبات لاحقة مختلفة لعلّ أبرزها كانت مسوّدة المشاورات التي جرت برعاية أطراف أوروبية وتركية، خلال الفترة بين أيلول (سبتمبر) 2004 وتموز (يوليو) 2006، وانتهت إلى اعتماد «وثيقة» تفاهم مفصّلة للغاية)؛ أنّ هواجس الأسد الابن تتركز في مسائل أخرى كثيرة، ذات صلة بحفظ بقاء النظام جوهرياً، ولا مكان على مكتبه لأيّ ملفّ يحمل عنوان الجولان. فأيّ مسؤول إسرائيلي أحمق يمكن أن يجازف بإغلاق معامل النبيذ ومزارع التماسيح وبساتين الموز والمراكز السياحية وينابيع المياه في أكثر من 30 مستوطنة، ثمّ تقديم «كرتونة البيض» الثمينة هدية مجانية إلى نظام متهالك وفاشل ورهينة إيران وروسيا، على رأسه سفّاح كيميائي وقاتل أطفال؟
وسوم: العدد 818