علاقة الحاكم بالشعب من منظور الإمام علي
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
أسس الإمام علي عليه السلام لدولة النموذج الإنساني بامتياز ووضع أسس فلسفة حكمه للرعية بما يميزه عمن سبقه ومن تلاه من الحكام المسلمين من بعد رسول الله صلى الله عليه واله، إذ استطاع وخلال فترة وجيزة لا تتجاوز أربع سنوات ونصف ان يثبت وبالدليل التطبيقي أن الدولة والحاكم ليس أي منهما الغاية أو الهدف، بل إنهما وسيلة لا أكثر ولا أقل الغاية من ورائهما سعادة الإنسان بما هو إنسان، بلا تمعن في هويته الفرعية.
يحدد المختصون أركان الدولة ويجعلونها ثلاثة وهي (الشعب والإقليم أو الرقعة الجغرافية والسلطة السياسية الحاكمة)، ويجد المختصون ان غياب أياً من هذه المكونات لا يمكن معه الحديث عن الدولة وجوداً أو مفهوماً، بيد ان فكر الإمام علي قائم على ان الركن الأول هو الأهم والركنين الآخرين مسخران لخدمة الإنسان، فلم يسع إلى زيادة الرقعة الخاصة بدولته ولم يبذل الجهد لتثبيت أركان السلطة السياسية، إنما كان جل اهتمامه هو رفع الحيف عن الشعب الخاضع لولايته.
فالدول قديماً وحديثاً تصنف إلى صنفين دولة الحاكم ودولة الإنسان، الأولى تجعل من الحكام الحلقة الأهم وبقاءه في سدة الحكم هو الغاية بتبريرات دينية أو قبلية أو غيرها، لذا تسخر كل إمكانيات الدولة لسعادة الحاكم وبطانته ولو كان ذلك على حساب بؤس الشعب الذي يعاني شظف العيش، فكل الأفعال غير المشروعة الصادرة عن الحاكم كانت ضرورة أملتها عليه فطنته المفترضة وشجاعته وفراسته في إدارة الأمور العامة غير القابلة للنقاش دعته إلى ذلك، ولا سبيل إلى القول بخطأ ينسب إليه، ويتم بشكل أو بآخر إظهار الاعتداء على الحقوق والحريات على أنه ضرورة حتمية.
وعلى الجانب الآخر قد تؤسس دولة تجعل الإنسان قيمة عليا وتسخر إمكانياتها لإسعاده، إذ توفر له العيش الكريم في كل الظروف الزمانية والمكانية العادية وغيرها، فالعدل بين الناس أساس الملك، والمساواة تقوم بين الجميع في الحقوق والواجبات، ويتم انتقاء القيادة على أسس الكفاءة والنزاهة فحسب، والدولة التي أسس لها الإمام علي عليه السلام من هذا النوع.
وتتلخص أهم الأفكار التي حاول الإمام علي ترسيخها في نظام حكمه للدولة الإسلامية فيما يخص العلاقة بينه وبين الرعية بالآتي:
أولاً: دولة على أساس رعاية مصالح الشعب
أقام الإمام علي عليه السلام دولته على أساس رعاية مصالح الشعب: وان كان الشعب بالوقت الحاضر يعرف بأنه مجموعة من الأفراد تربطهم رابطة ووشيجة معينة، قد تتمثل في السكن في ناحية ما، أو تجمعهم مشتركات إنسانية كاللغة المشتركة، أو الانتماء الديني، أو الأصل الإنساني أو الاجتماعي، أو قد يكون غير ذلك، ولا تكاد دولة في العالم تخلو من التنوع والأقليات، لهذا أراد الإمام علي ان يضرب لنا مثلاً عمليا باحترام التنوع والسعي إلى التقرب أكثر لأفراد رعيته بالاتصال بهم بشكل مباشر بلا وساطة فقام بنقل عاصمة الخلافة إلى العراق، الذي كان في تلك الفترة بالتحديد يعج بالتنوع الإنساني الديني والمذهبي والقومي.
ويكفي أن نشير إلى إن الحيرة وغيرها كانت تقطنها مجموعات دينية غير مسلمة لا تدين بدين الإسلام، والحقيقة التي أرساها الإمام علي هي التركيز على الحاجات الحقيقية لأفراد الشعب ووسائل وفاء الدولة بها بأي طريق ولو كان ذلك بقسمة موارد بيت المال على الرعية، كي لا يبقى جائع أو محتاج أياً كان وفي أي مكان من أصقاع الدولة، وأثبت بذلك ان الشعب وبحق يمثل رأس مال الحاكم فان صلح الحاكم أصلح شأن الشعب والعكس صواب، ومن مسؤولية الحاكم إصلاح الشأن العام، ليقطع دابر فساد السلطة والتفاف البطانة حول الحاكم والتي من شأنها ان تجعله بعيداً عن الناس ويقدم مصلحة حكمه على مصالحهم.
فقد ضرب لنا الإمام علي أروع الأمثلة في سعيه الجاد إلى رفع شأن المجتمع والتأسيس لمجتمع مدني حقيقي بتكريس حقيقة إسلامية تقول لا فرق بين عربي وغير عربي أبيض البشرة أو غير ذلك مسلم أو غير مسلم إلا بالتقوى والقرب إلى الله والإخلاص في العمل العام والخص على حد سواء، وقد كرس الإمام علي (الحاكم للبلاد) هذا المفهوم برسالته المعبرة لعامله على مصر مالك الأشتر عليه السلام حين خاطبه وقال ((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ))، والنص المتقدم غني عن البيان فالإمام يشير إلى وشائج الإنسانية وتقديمها على بقية الهويات الفرعية عند الحاكم الذي عليه ان يحترم كل تلك الهويات بما انها أساس للتعايش واحترام الآخرين وحفظ إنسانيتهم وصون كرامتهم وفي ما تقدم ترجمة لإرادة السماء حين يصدح القرآن الكريم بمبدأ إنساني رائع مقتضاه أن الله سبحانه قد كرم الإنسان بما هو إنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
ثانياً: العدل المطلق بين الرعية
حرص الإمام علي عليه السلام على إقامة العدل بين الرعية وتجنب كل شطط أو ميل لأي سبب كان وسعى لإرجاع الحق لأهله فمن سلب منه شيء بسلطان الحاكم أعاده اليه الإمام علي بعفو الحاكم وعدله بين الناس، ولهذا نجد التركيز انصب في دولة الإمام علي على القضاة واهتم الخليفة ان يولى الأمر من هم أورع الناس وأكثرهم علماً، وأعطى الجميع درساً عملياً في المساواة بين الجميع حين وقف في ساحة القضاء بوصفه مدعى عليه وحين يكنى من قبل القاضي يشكل عليه ويمنعه ويصر على ان يعامل بشكل متساوي مع غريمه، وكان يخصص وقتاً للفصل بين الخصوم بنفسه وبشكل مباشر للتصدي للمسائل المهمة التي تستشكل على قضاته المعينين وقبل سماع الشكوى من القضاة وعزلهم من عملهم ان ثبت له تقصيرهم أو محاباتهم لأحد الأطراف، فكان وبحق سيد العدالة بين الناس على صعيد القضاء.
ولم يكتفٍ بذلك انما أعطى للعدالة معناها الحقيقي في الجانب الاقتصادي والاجتماعي حين أزال الفوارق بين المسلمين وحرص على توزيع العطاء بشكل متساوي بإلغاء نظام التفضيل الذي ابتدعه من سبقه في الحكم، ومن درر عدله عليه السلام يقول المؤرخ المعروف أبن الأثير ((إنّ زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاء كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزءً، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم)، وترجمة لهذا النهج السماوي يقول عليه السلام في عهده لمالك الأشتر ((أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْباً حَتَّى يَنْزعَ أو يَتُوبَ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ))، وهذا من تجليات العدالة المنشودة في الدولة وتوصيف دقيق لما ينبغي ان يكون عليه الحاكم.
وفي مناسبات أخرى يذكر عليه السلام معنى مقارب لما تقدم (وَاللهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا؟).
ثالثاً: فلسفة العلاقة بين الدولة والمواطن
فلسفة العلاقة بين الدولة والمواطن في منهج وسيرة الإمام علي عليه السلام تقوم على الحق المتبادل بين الحاكم والمحكوم: وليس كما كان سائداً قبل وبعد خلافته من اعتبار الحاكم ولياً شرعيا يجوز له ما يحرم على غيره، بل كان الإمام يأخذ بفلسفة مثالية قائمة على التوازن، فلو نظمت سلطات الحاكم وبدأ أهل الحل والعقد يبررون تصرفاته ويركزون على حقوقه إزاء الشعب، انتقلت الدولة الى الحكم الدكتاتوري الفردي التسلطي وان تم الاعتراف بالحقوق المطلقة للشعب فالفوضى ستكون مصير الدولة فلا حزم للحاكم ولا سلطان له بل سيتردد الأفراد في تطبيق أوامره ونواهيه بحجة المساس بحقوقهم فلا يستقيم أمر دينهم ولا دنياهم، والى هذا المعنى يؤشر الإمام في إحدى خطبه في صفين ويقول ((ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ، وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ، وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ)).
رابعاً: درء الفساد عن الحكام والتركيز على النزاهة في اختيار الولاة وغيرهم
إذ عين الإمام علي عليه السلام عماله على الأمصار كافة وفق منهج معروف قائم على تقصي المهنية والكفاءة بعيداً عن الالتفات إلى الولاء الشخصي له كحاكم فذاك زياد أبن أبيه يعينه الإمام واليا على كرمان وبلاد فارس لمواهبه الخاصة كالكتابة وحسن الخط والقدرة على التدبير وغيرها، وحين علم ببعض تصرفاته غير الشرعية أرسل إليه كتاباً ورد فيه ((ما بعد، فإن رسولي أخبرني بعجب، زعم أنك قلت له فيما بينك وبينه: إن الأكراد هاجت بك، فكسرت عليك كثيرا من الخراج، وقلت له: لا تعلم بذلك أمير المؤمنين، يا زياد! وأقسم بالله إنك لكاذب، ولئن لم تبعث بخراجك لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، إلا أن تكون لما كسرت من الخراج محتملا))، وهذا ديدن الحاكم العادل الذي لا يهمه من الدنيا إلا ان يظهر العدل والعدالة بين الناس حيث ورد في كتاب له إلى عامله في مصر مالك الاشتر قول الإمام ((ثُمَّ اُنْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اِخْتِيَاراً اِخْتِبَاراً وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ اَلْجَوْرِ وَاَلْخِيَانَةِ وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ اَلتَّجْرِبَةِ واَلْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ اَلْبُيُوتَاتِ اَلصَّالِحَةِ وَاَلْقَدَمِ فِي اَلْإِسْلاَمِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً وَأَقَلُّ فِي اَلْمَطَامِعِ إِشْرَافاً إِشْرَاقاً وأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ اَلْأُمُورِ نَظَراً ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ اَلْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اِسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ حتى يقول … وَ تَحَفَّظْ مِنَ اَلْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اِجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اِكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ اَلْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ اَلْمَذَلَّةِ ووَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وقَلَّدْتَهُ عَارَ اَلتُّهَمَةِ)).
خامساً: منهج الإمام علي في مكافحة فساد السلطة
إذ عمد إلى ما عمله بعض الحكام قبله فأبطله لمخالفته الشرع فقد اعاد الإمام علي عليه السلام كل القطائع المالية التي اقتطعت من مال المسلمين بلا سند شرعي وقال في خطبة له (اَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَ مُلِكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ)، وهذا النص بما يحمله من معانٍ سامية إنسانية أصلاً قائمة على العدل بين الرعية وان لا تفرض ضريبة أو تصادر الأموال أو تستملك بحجة الضرورة أو حاجة الدولة إنما يكون ذلك برضا المحكوم التام أو يكون لزاماً على الحاكم المسلم ان لا تمتد يده إلى تلك الأموال فالناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم، وقد امتدت أعناق بعض الصحابة للحصول على استثناء من الإمام علي عليه السلام في العطاء وتوزيع واردات الدولة الإسلامية فكان له مقولة خالدة تنم عن الإيمان المطلق بالعدل والعدالة بين الناس ولو كان ذلك على حساب استقرار اركان الحكم ((ولَوْ كَانَ اَلْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا اَلْمَالُ مَالُ اَللَّهِ، أَلاَ وَ إِنَّ إِعْطَاءَ اَلْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَ إِسْرَافٌ وَ هُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي اَلدُّنْيَا وَ يَضَعُهُ فِي اَلآْخِرَةِ وَ يُكْرِمُهُ فِي اَلنَّاسِ وَ يُهِينُهُ عِنْدَ اَللَّهِ وَ لَمْ يَضَعِ اِمْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَ لاَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اَللَّهُ شُكْرَهُمْ وَ كَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ)).
وسوم: العدد 823