مصطلح " الإمام "

الأخ الكريم ممتاز تاج الدين حفظه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فلقد تلقيت رسالتكم التي تسألون فيها عن قوله تعالى:

" وكل شي أحصيناه في إمام مبين"

 وفيما يلي الرد على رسالتكم بحسب تسلسل أسئلتكم:

1- معني كلمة " الإمام" كما وردت في المعاجم اللغوية العربية

قال صاحب اللسان:

 وأم القوم، وأم بهم: تقدمهم ، وهي الإمامة. والإمام: كل من ائتم به  قوم كانوا على الصراط المستقيم  أو كانوا ضا لين.

ابن الإعرابي: في قوله عز وجل :

" يوم ندعو كل أناس بإمامهم":

. قالت طائفة: بكتابهم .

 وقال آخرون: بنبيهم وشرعهم.

 وقيل: بكتا به الذي أحصى فيه عمله.

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام أمته . وعليهم جميعاً الائتمام بسنته التى مضى عليها.

ابن سيده: والإمام ما أئتم به من رئيس وغيره ، والجمع: أئمه

وقال المازني : "وإمام كل شئ : قيمه و المصلح له .

 والقرآن إمام المسلمين . وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم-:إمام الأئمة .

والخليفة:إمام الرعية .  وإمام الجند : قائدهم........

والإمام:المثال ، قال ا لنا النابغة:

 أبوه قبله وأبو أبيه     بنوا مجد الحياة على إمام .

 وإمام الغلام في المكتب: ما يتعلم كل يوم.

 وإمام المثال: ما امتثل عليه.

 والإمام: الخيط الذي يمد على البناء فيبني عليه ويسوي عليه.ا

وفي الصحاح : الإمام خشبة البناء يسوي عليها البناء .

 وإمام القبلة: تلقاؤها.

 والحادي: إمام الإبل وان كان وراءها  لانه الهادي لها.

والإمام : الطريق. وقوله عز وجل:

"وإنهما لبإمام مبين" :

 أي بطريق يؤم،أي:يقصد فيتميز، يعني :قوم لوط وأصحابه الأيكة.

والإمام: الصقع من الطريق والأرض . وقال الفراء:

"وإنهما لبإمام مبين" :

يقول :في طريق لهم يمرون عليها في أسفارهم ، فجعل الطريق إماماً لانه يؤم ويتبع ......

قال ابو بكر: معني قولهم: يؤم القوم : أي يتقدمهم ، أخذ من "الإمام" يقال: فلان"إمام القوم" معناه : هو المتقدم لهم .

 ويكون الامام رئيساً ، كقولك : إمام المسلمين.

 ويكون: الكتاب . قال الله :

":يوم ندعو كل أناس بإمامهم" .

 ويكون الإمام : الطريق الواضح، قال الله تعالى:

" وإنهما لبإمام مبين" .

 ويكون الإمام : المثال........................

وقال الفيروزأ بادي- صاحب القاموس- في كتابه "بصائر ذوي التمييز" :

 بصيرة في الإمام :

 وهو المؤتم به إنساناً كان يقتدى بقوله وفعله ، أو كتاباً، أو غير ذلك ،محقاً كان او مبطلاً.

 وقد ورد في النص على خمسة أوجه:

الأول: بمعني مقدم القوم وقائد الخيرات:

"إني جاعلك للناس إماماً":

 أي: قائداً لهم

الثاني: بمعني  اللوح المحفوظ المشتمل على جملة الأقوال والأفعال والأحوال:

"وكل شئ أحصيناه في إمام مبين"

الثالث: بمعني الراحة والرحمة:

" ومن قبلة كتاب موسى إماماً ورحمة".

الرابع: بمعني الطريق الواضح

"وإنهما لبإمام مبين" :

طريق وا ضح

الخامس: بمعني " الكتاب" كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان

" يوم ندعو كل أناس بإمامهم"

وقال الراغب الأصفهاني في كتاب "المفردات في غريب القران"

 والإمام : المؤتم به إنساناً كان يقتدي بقوله أو فعله ، او كتاباً أو غير ذلك ، محقاً كان او مبطلا وجمعه أئمة.

وقوله تعالى :

" يوم ندعو كل أناس بإمامهم"

أي بالذي يقتدون به ،

 وقيل :بكتابهم.....وقوله:

" وكل شئ أحصيناه في إمام مبين".

 فقد قيل: إشارة الى اللوح المحفوظ

أما ما تقوله في رسالتك من أن الشيعة  يستدلون بأن كلمة" إمام مبين" الواردة في القران الكريم(12،36) نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأن ذلك مذكور في كتاب الدر المنثور للسيوطي . فهو كلام غير صحيح ولا اصل له. واليك النص كما ورد في تفسير الدر المنثور للسيوطي لتتاكد من كذبهم وافتراءاتهم :

يقول السيوطي في تفسير الدر المنثور أثناء كلامه على قوله تعالى :

 "وكل شئ أحصيناه في إمام مبين" :

وأخرج ابن أبي شيبة ،  وعبد بن حميد ، وابن الضريس في فضائل القران ، وابن المنذروابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله:

"وكل شئ أحصيناه في  إمام مبين"

قا ل :  أم الكتاب.

واخرج عبد بن حميد، و ابن جرير، وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله :

"وكل شئ أحصيناه في إمام مبين" :

 قال :كل شئ في إمام عند الله محفوظ ، يعني في كتا ب .

 وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم رضي الله عنه:

" وكل شئ أحصيناه في إمام مبين" :

 قال .كتا ب .

و مما تقدم يتبين لك أن معني الإمامة كما وردت في اللغة العربية ،  وفي معاجمها المعتمدة ، ليس معني واحدا . وإنما هو عدة معان .

 ومن هنا فتحديد معني الإمام في أية آية من الآيات ا لتي ورد فيها ، إنما يكون بمراعاة سياق الآية والموضوع الذي تتحدث  فيه ..

وعلى هذا فما ذهب إليه علماء السنة في تفسير الآية ينسجم مع اللغة العربية ومفهوم الإمامة فيها, وما ذهب إلية الشيعة لا يصح بحال ، ولم يقم عليه أي دليل ،  وهو تفسير مقحم لا يقبله النص ، ولا سياق الآية ، وإنما أوقعهم فيه تعصبهم لفكرة الإمامة التي يقيمون على أساسها مذهبهم.

واليك فيما يلي المعني الحرفي للآية  كما ورد في تفسير الطبري الذي يعتبر بحق شيخ المفسرين وإمامهم .

وأما رأيي في الايه فسأ سوقه بعد تفسير الطبري لها:

قال الطبري في تفسير الآية (12/36) :

يقول تعالي ذكره:

 "إ نا نحن نحيي الموتى" : من خلقنا .

"ونكتب ما قدموا" :  في الدنيا من خير و شر، وصا لح الأعما ل وسيئها ...

وقوله" وآثارهم " : يعني  وآثار خطاهم بأرجلهم . وذكر أن هذه الايه نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم ليقرب عليهم ............

وقوله : " وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" :

يقول تعالي ذكره: وكل شي كان أوهو كائن أحصيناه ،فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين.

وقيل"مبين" لانه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه.     

تفسير الطبري - 22/153-155  -

 والذي يبدو لي بعد كل ما سبق:

أن  القران استعمل كلمه "إمام مبين " بالمعاني التالية:

1-      بمعني "الطريق الواضح "وذلك كما في قوله تعالي:

 " فا نتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين"- 79 سورة الحجر-

2- بمعني" الكتاب الواضح أو الموضح"    وذلك كما في قوله تعالي:

" وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " -12 يس-

 وليست هذة الايه الوحيدة التي استعملت الإمام  بمعني الكتاب ، فقد وردت أيضا في وصف التوراة وذلك كما في قوله تعالي:

 ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة - هود 17- وقوله تعالي :

 "ومن قبله كتاب موسي إماما ورحمة " -12 - الاحقا ف -

فتفسير الإمام با لكتاب قد ورد في اللغة وورد في القران الكريم نفسه ، وليس من ابتداع أهل السنة.

-الذي يبدو لي أن معني:3

 " وكل شئ أحصينا في إمام مبين":

 وكل شئ من أعمال العباد أحصيناه في كتاب يبينها ، والمقصود به صحف الأعمال التي تنشر يوم القيامة ويأخذها المؤمنون بأيمانهم والمشركون بشمائلهم كما يشير الى ذلك القران الكريم"

 والذي دلني على هذا التفسير قوله تعالى فى سورة النبأ الاية-29-:

 " وكل شئ أحصيناه كتاباً"

 وقد جاء قبلها :

"انهم كانوا لا يرجون حسابًا، وكذ بوا بآيتنا كذابا . وكل شئ أحصيناه كتابا "

 أي :أحصينا كل شئ من أعمالهم في كتاب .

 ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى:

"ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون(27) وترى كل أمة جاشيةً ،كل أمة تدعي الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون(28) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " (29)

 وقد قال البيضاوي في تفسيره- 186- :

" هذا كتابنا" : أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لانه أمر الكتبه أن يكتبوا فيها أعمالهم.

"ينطق عليكم بالحق" : يشهد عليكم بماعملتم بلا زياده ولا نقصان .

 "إنا كنا نستنسخ " :نستكتب الملائكة.

"  ما كنتم تعملون " : أعمالكم.

 ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى :

 "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحداً(49)- الكهف

والمقصود بقوله:

" لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" أي : من أعمالهم ، وليس على إطلاقها.

وهكذا يتبين لنا أن كلمة :

"وكل شئ أحصينا في إمام مبين":

 أي: من أعمال العباد ، وليس على إطلاقها أيضاً.

 ولعل السبب في تسمية صحائف الأعمال " إماما مبينا " : أنها تكون دليل صاحبها الى الجنة أو النار فتبين له مصيره وتقوده إليه وذلك كما في قوله تعالى:

"فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول:هاؤم اقرؤا كتابيه.........إني ظننت أني ملاق حسابيه ،فهو في عيشة راضيه في جنة عالية .........."

"وأما من أمتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه . ولم أدر ما حسابيه . هلك  عني سلطانية...

هذا ما تبين لي في هذه الآية . وأرجو أن يكون صواباً .

 ولكم تحياتنا وأشواقنا .

دمشق - 1- 10-1973

وسوم: العدد 826