صورة اللئيم من خلال قصيدة صالح بن عبد القدوس
لا يخلو إنسان مهما كان من تجربة مريرة مر بها في حياته مع لئيم خدعه ، فأورثته ندما وحسرة على معرفة وصلة وعلاقة به بعدما غره بالود الكاذب والصداقة المغشوشة حتى كشف الله عز وجل ما كان يخفيه ، وتبين بياض خيط غدره من سواده ، وسقط قناعه، فإذا هو ذو بشاعة وصفاقة ووقاحة وخسة .
ولقد وجدت في قصيدة الشاعر ابن عبد القدوس على ما رمي به من زندقة ـ والله تعالى أعلم به إن كان ما قيل عنه صد قا أم بهتانا ـ صورة اللئيم، ففكرت في تقريبها من كل من كان ضحية لئيم في حياته ، ومن كل من وقاه الله تعالى لؤم اللئام ليحتاط منه حتى لا يندم ندم من اصطلى بناره واكتوى بأوارها.
وشر اللئام من امتطى صهوة الدين يخدع بركوبه ضحاياه لينال منهم مبتغاه قبل أن يكشف الله عز وجل غدره ودناءته .
ولقد اخترت من قصيدة هذا الشاعر الطويلة والطافحة بالنصح والحكمة الأبيات المصورة للئيم فقط وهي كالأتي : فاسمعْ هُديـتَ نصيحـةً أولاكَهـا ** بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً ** ورأى الأمورَ بمـا تـؤوبُ وتَعقُـبُ وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً ** فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ لا خيرَ فـي ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ ** حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ ** وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ** ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي ** فالنُّصحُ أغلى مـا يُبـاعُ ويُوهَـبُ
فمما نصح به هذا الشاعر في قصيدته التحذير من اللئيم الذي يخدع ضحيته أو ضحاياه بصداقة مغرض يحتال لكسب ود من ينصب له شرك الغدر ليوقعه فيه وآية غدره اصطناع التملق، وهو التودد بدافع المصلحة والطمع ، وهو تودد يخالطه التذلل المخزي . ولقد جعل الشاعر هذا التملق دليلا ومؤشرا على إضمار اللئيم العداوة وإظهار الصداقة والتودد ، فيحلو لسانه بمعسول الكلام ، و في قلبه طعم العلقم . ودأب اللئيم يمينه الكاذبة بثقة مغشوشة فيمن يتودد إليه بالصداقة إذا لقيه ، وإن هو غاب عنه كاد له شر كيد، وناشه به كما تنوش العقرب . واللئيم غدّار إذا رام حاجته ،تفنن في عذب الكلام راغ روغ الثعلبان الذي يتحرك يمنة ويسرة في حركته للتمويه على ما يضمر من مكر وخديعة .
وهكذا تبدو صورة اللئيم في شعر هذا الشاعر المجرب والمستبصر والخبير بالعواقب جامعة بين سم عقرب زعاف، وروغ ثعلب ماكر، وبين ظاهر له حلاوة كاذبة، و له خفي عبارة عن نار تلظى ذات لهب حارق.
ومن خلال هذه الصورة يقدم لنا من النصح أغلى ما يباع أويوهب .
وسوم: العدد 828