موقفنا المفتوح على المستقبل وليس موقفي

موقفنا :

كتب إلي أحدهم منذ أيام : لماذا تكتب موقفنا ، وإنما أنت رجل واحد ؟! هل في " نا " الجماعة هذه نفخ ونفج وادعاء وغرور ؟!

ومشكور السائل ، ومأجور إن شاء الله على ما أحسن الظن في أخيه . أما الادعاء والنفخ والنفج والغرور فأنا بفضل الله عليّ ، أبعد الناس عنه خلقا وخلقا . لم أتعلق يوما بذيل بغلة سلطان وما حاولت . ولا قاربت عن طمع صاحب سلطان أو مال . وأعد إلى السابعة والسبعين قبل أن أقول لصاحب مكانة صباح الخير ، خشية أن يقال: " يتملق" ..

ولقد علمت أبواب الصعود فتجنبتها منذ كنت يافعا . وقالوا لنا في علم الصحافة إذا أردت الشهرة : فانشر مقالك في صحف سائرة وتدرج . وعلمت هذا منذ نصف قرن وما حاولته . وما اتصلت يوما بفضائية أطلب لقاء ، واعتذرت لأسباب تتعلق بقضيتي عن الكثير من الفضائيات ولو شئت أن أعد لعددت ، ولا أريد أن أفعل خشية العجب والكبر . ومن هذه الفضائيات من يقطع أحدهم عنقه ليظهر عليها ..

في تربيتي البيتية حشمة شديدة ، بحيث أنني أمتنع أحيانا عن السلام على من ينبغي عليّ السلام عليه ، خوفَ الإثقال . كلامي في هذا يطول وإنما هو بيان عذر ، وتعبير عن ضعف أسأل الله أن يعينني عليه..

أما أن أقول " موقفنا " وليس "موقفي" فهو عندي أندى وأرضى وكأنني أقول للناس بقولها : إنما أنا رجل منكم . وياء المتكلم في قولنا "موقفي" أشد صرامة وصلابة وأشد وطأة وأدخل في باب الغرور والادعاء ، وكأن صاحبها يضع نفسه في صف والعالم كله في صف آخر.. ..كم هو جميل من صاحب مركب يستصحب معه قوما فيقول : مركبنا ، وليس مركبي !!!

ثم هناك حقيقة أخرى لا أجد حرجا في التعبير عنها وهي أنني أنتمي إلى وطن وإلى تيار عريض فيه ، يمكنني أن أتطوع فأقترح عليه الموقف الذي يجب أن يكون لنا في دوائره الأوسع والأضيق من الدائرة الوطنية إلى الدائرة الأضيق والأضيق ومنها الدائرة التي تعلمون !!

ومن هنا أكتب مقترحا صيغة " لموقفنا " الذي يجب أن يكون ؛ على أسلوب في المجاز عنونوا له بقوله تعالى ( قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ..) وهو لم يعصر خمرا ، وإنما كان يعصر عنبا فتصير خمرا . وهذا مثل هذا .

ثم ما كتبت مرة "موقفنا" إلا ووجدت ، بحمد الله وفضله ثم بلطف وذوق من إخوة وأصدقاء يحيطون بي ، مؤيدين ومساندين وداعمين بحيث تنتقل " نا " الجماعة من التعبير المجازي الذي ذكرت إلى التعبير الحقيقي الذي يريده المعترضون . وفي مذهبنا الحنفي تنعقد الجمعة بثلاثة ..

وأن تجد في التعليقات على قولي " موقفنا " المناوئ والمخالف والمتسقط والمتربص هذا كله من ديمقراطية المقام . وقديما قالوا من صنف فقد استهدف . أي جعل نفسه هدفا لألسنة الناس وأقلامهم ؛ ولكن في كل مرة تجد من أيادي التأييد ما تعجز عن شكره كل يوم .

ثم إن مبادرتي الشخصية لسد الثغرة ، وملأ الفراغ ، ينبغي أن تكون مقرونة ببعض ما تستحق لا منبوذة بتهمة الانفراد . انتقدت مرة في لعبة كرة القدم التركيز على الهداف الذي يسجل الهدف ، وكتبت هذه لعبة فريق ، ولا يجوز أن تتحول إلى لعبة بطل ، لأن ذلك يفقدها معناها الأصلي . فمن حق على من يلمزني بأنني فرد أن يسأل : وأين هو الفريق لا أن يلومني لأنني أعدو منفردا فأقصر أو أكاد...؟! وذلك أليق بكلمة الحق التي هي من مطلب الناصحين ..

أكتب هذا اليوم ، وأحداث كثيرة تجري على الساحة أمام أعيننا تحتاج ممن تولى أمر الناس إلى معلم . فماذا نصنع والمعلم صامت ؟! وكتم العلم ليس فقط حين يُسأل العالم فيجيب . بل أن يرى الخطأ ويصمت . قرأت رسالة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في الصلاة وأنا طالب في الثانوية ، فكدت أترك صلاة الجماعة لكثرة ما شدد على الذي يرى أخطاء المصلين ويسكت عليها ..!! مع أنه كان على التشديد في أمر صلاة الجماعة أكثر ، وهو يروي حديث الصحابي الضرير الذي يستأذن رسول الله فيها ويقول : يا رسول الله بيني وبين المسجد نخل وواد . ويرد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتسمع النداء ؟ فيقول الصحابي نعم . ويجيبه رسول الله " أجب ...

نعايش هذه الأيام كم أكثر أمطرتنا الرسائل الكاذبة ؟!!. أصدقاء لنا مسلمون صالحون يرسلون لنا بلا ترو ولا بصيرة : وفاة زوجة مرسي - وفاة خطاط القرآن الكريم الحافظ عثمان - رسالة عالم الذرة عبد القدير .. وغيرها وغيرها كثير ..

وأعتقد أن هناك شياطين يحبون أن يتلاعبوا بنا فيستخفونا فنطاوعهم ، هكذا أقرأ المشهد شخصيا ، ليس مصادفة ولا عبثا . فأين علماؤنا من حديث رسول الله الذي استشهد به الإمام مسلم في مقدمة صحيحه - ولو قلت الذي رواه مسلم لكنت مدلسا - كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع . ولو وجدت فرصة لأكتبن ولأكتبن تحت عنوان "موقفنا " الشرعي . في ضوابط النقل والتثبت حتى لا يكون المسلم أحد الكذابَين أو أحد الكذابِين أو على قول أهل اللغة مثل حاطب الليل .

ودعيت بمناسبة وفاة الرئيس مرسي إلى أكثر من مجلس عزاء . ساد في بعضها الهرج والمرج ، والبعد عن الروح الحقيقية لمعنى العزاء ، ولو وجدت الفرصة أنا العبد الضعيف ، لكتبت تحت عنوان موقفنا ..

مجالس العزاء : حكمها - حكمتها - قواعدها - آدابها ..

فهذا بحث يحتاج إلى من يقرره . ولاسيما في عالم المهاجرين وفي بلاد الهجرة ، حيث يبدو الكثيرون قد أخلوا وضيعوا .. وما ذنبي أن صمت الصامتون !!

ثم الموضوعات في الفضاءات الدولية والإقليمية والسورية مزدحمة . والقول في بعضها هو واجب شافعي أو حنفي أو سياسي . والصمت سيد الموقف عند الكثيرين ..

فقد شوهت المواقف الانفعالية التلقائية لكثير من أصحاب العواطف الصادقة حقيقة زيارة الوزير السبهان إلى الجزيرة السورية . زيارة تمت في إطار المقاربات السياسية الممكنة كان ينبغي على قوى المعارضة أن تتبع حقيقتها وأن تستفيد من آثارها .....

وإذا كان شوقي قد قال في وصفه لسيدنا رسول الله :

فإذا رحمت فأنت أم أو أب .. هذان في الدنيا هما الرحماء

فإن مما أقحمنا في سوء تقدير الموقف أن بعضنا ينتظر من الحليف السياسي أن يكون أما أو أبا .. وهذا جر علينا الكثير من التخبط ومن سوء التقدير.

ومن ذلك الذي يجب أن يزداد وضوحا حقيقة ما يجري على اللاجئين السوريين في لبنان ، بأبعاده الاستراتيجية الإنسانية والسياسية والاجتماعية في ظلال اغتيال الداعية الجرار ، ثم إن عملية ترحيل الشباب في سن التجنيد لتحويلهم إلى قتلة لها دلالاتها واعتباراتها . يحتاج إلى من يكتب فيها ويشرح ويبين تحت عنوان " موقفنا " موقفنا المتوقع والمنتظر والمأمول والمرجو . والغائب كما المهدي المنتظر .

ثم هل تابعنا انتهاء أمد اتفاق المصالحة في درعا الذي عقد بضمانة الروس والذي تنتهي مهلته هذه الأيام ، ماذا سيجري على أهلنا هناك ؟ وعلى شبابنا بشكل خاص الذين يريد بوتين وبشار الأسد أن يستهلكهم في حربه الدموية . ولماذا يعطى أهل السويداء ضمانة أن يخدموا في مناطقهم ومحافظتهم ولا يعطى أهل درعا مثل هذه الضمانة ؟! تحت عنوان " موقفنا " كان يمكن أن نجيب على هذا السؤال ..

ماذا عن الطريق المسدود بين الموقفين الروسي - والتركي ؟ وبعد أن وصلت أستانا إلى عقدتها الأخيرة ؟ وماذا عن موقف مجلس الأمن ؟ وماذا عن ؟ وماذا عن تداعيات اغتيال الرئيس مرسي ولماذا يحاول كهنة الشر العالمي أن يحاصروا شباب أمتنا في مربع اليأس الصفري . لا مخرجَ لكم يقولونها وهم يبتسمون ..؟!

أسئلة ليست حائرة . ولكنها استحقاقات وطنية : إسلامية وعربية وسورية بامتياز . استحقاقات بعضها شرعي وبعضها أخلاقي وبعضها سياسي أحاول أن أتفاعل معها تحت عنوان " موقفنا " موقفنا كما أراه وكما يجب أن يكون ..

ولئن أحاول فأخطئ ويُرد عليّ فأصحح أجمل عندي ألف مرة من أن أصمت فأسلم . وإيماني دائما أن الكلام من ذهب وأن صمت الذين يعلمون من تنك .

الاستحقاقات كثيرة وطالبو المعرفة كثيرون . ومن واجب عليّ وعليكّ وعلى كل صاحب معرفة أن يقول ..

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ).

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 830