في الإسلام الأكرم عند الله عز وجل هو الأتقى ولا قيمة لذكورة أو أنوثة أو عرق أو لون أو لسان

يجهد البعض أنفسهم ويحملونها عنتا كبيرا ليثبتوا لأنفسهم ولغيرهم هويات من صنع وهمهم انطلاقا من العرق أو الدم أو اللسان أو الثقافة ... كما هو شأن المدعو عصيد وأمثاله ممن تعشش العصبية القبلية المنتنة في أدمغتهم .

 وحقيقة هؤلاء أنهم يعادون الإسلام على طريقتهم الخاصة دون امتلاك الجرأة والشجاعة على التصريح بذلك عن طريق أقنعة يحاولون  التستر وراءها لإخفاء نفاق تبديه ألسنتهم وما تخفيه صدورهم أكبر .

ومن المعلوم أن الله عز وجل إنما جعل اختلاف الألوان والألسنة من آياته الدالة على قدرته، ولم يجعلها عرضة لعبث العابثين يباهي بها بعضهم بعضا ، أويتعالى بها بعضهم على بعض ،ويتخذونها مطية لتزكية أنفسهم مع أن البشرية كلها إنما هي من حيوان منوي  لذكر واحد ومن بويضة لأنثى واحدة  كما أخبر بذلك الخالق سبحانه وتعالى ، ولا توجد شهادة فوق شهادته .

ومن التخلف الفظيع أن يوجد  في القرن الواحد والعشرين من لا زال يفكر بطريقة الإنسان البدائي الذي عاش في الكهوف والأدغال في عصور غابرة وتجمع في أماكن منعزلة في شكل قطعان من الأنعام وحين  كان يكتشف غيره من البشر تنتابه الحيرة لأنه عاش مدة طويلة  وهو يظن أنه وفصيلته التي يؤويه كل ما يوجد في الأرض ، ثم انتقل من الحيرة إلى الغيرة بدافع التعصب إلى  فصيلته ومن ثم إلى اعتماد الصراع والاقتتال مع أن الخالق سبحانه إنما خلق البشر من ذكر وأنثى ليتعارفوا، ويعجبني من فسر التعارف بأنه تبادل المعروف بينهم  فضلا عن  الدلالة المعروفة للتعارف .

وما جعل الله تعالى تكريم البشر لا في عرق ،ولا  في جنس، ولا في لون، ولا في لسان لأنه إذا كان الأصل واحدا وهو ذكر واحد وأنثى واحدة ،فلا يقبل العقل ولا المنطق ولا العلم أن يفضل عرق عرقا  آخر أو دم دما آخر أو لسان لسانا آخر ،فكما يكون أبناء وبنات الرجل الواحد والمرأة الواحدة مختلفين في أشكالهم طولا وقصرا ، وفي ألوانهم، و في طريقة كلامهم، فكذلك شأن أبناء أول رجل وأول امرأة ، ولا مبرر ولا مسوغ لافتخارهم باختلاف ألوانهم وألسنتهم .

ولو كانت الألوان والألسنة معتبرة في ميزان الخالق سبحانه وتعالى، لما افترقت البشرية عنده بعد نهاية العالم وقيام الساعة إلى سعداء يدخلون الجنة وأشقياء يدخلون النار ، وفي الجنة وفي النار مختلف الألوان ومختلف الألسنة . ومادامت الألسنة والألوان لا تنجي من جحيم ، ولا تدخل نعيما، فما الفائدة من التشبث بها والتباهي بها ،وهي لا تسمن ولا تغني من جوع كما يقال .

إن الذي ينجي من النار، ويدخل الجنة  إنما هو تقوى الله عز وجل، وهي ما يجعل الإنسان مكرما عند خالقه سبحانه وتعالى . وتقوى الله عز وجل كما عرفها  سبحانه في آخر رسالة إلى البشرية ، وكما استوعبها من آتاهم العلم هي أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب وسخط خالقه سبحانه مانعا أو حاجزا يمنعه  منها ، وما ذلك الحاجز أو المانع  سوى طاعته فيما أمر وفيما نهى ، وهذا ما يضمن كرامة الإنسان عند خالقه ، ولا كرامة له في لون أو لسان يتشبث به .

فأيهما  العاقل المتحضر إنسان يقول بكرامة البشر عند خالقهم بتقواهم أم آخر يلتمس لهم الكرامة في ألوانهم وألسنتهم ؟ وأيهما العنصري والعرقي والمتعصب هل هو الذي يعتبر تقوى الله عز وجل معيارا واحدا ووحيدا أم الذي يعتمد اللون واللسان  ... وغيرهما معيارا؟

ألا يستحيي عصيد وأمثاله من أنفسهم وهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد ولكنهم يعيشون بعقلية الأزمنة الغابرة البدائية والمتخلفة  ؟

ألا يخجلون من نسبة قطر من الأقطار إلى عرق  أو لسان معينين، والله عز وجل وحده أعلم بما مر به عبر تاريخ البشرية الطويل ؟  ألا يخجلون من أنفسهم وهم يسقطون من حسابهم من مر قبل عرقهم  ولونهم ولسانهم بذلك القطر أو من مر به بعدهم ؟

إن خرافتهم شبيهة  بالخرافة التي يتشبث بها اليهود وهم يعتقدون أن أرض فلسطين كانت أرضا خلاء  قبلهم، وأنهم هم أول من سكنها ،وأنهم آخر من يجب أن يسكنها . وعن اليهود تلقف غيرهم زبالة هذا التفكير المنحط الذي نشأت عنه نعرات عنصرية  مقيتة  أشعلت حروبا طاحنة كما كان الشأن بالنسبة للنعرة النازية ، وعنهم يتلقف  اليوم عصيد وأمثاله، ولا حجة لديهم أن عرقهم أو لونهم أو لسانهم هو أول من حل بالمغرب يوم كان أرضا خلاء . وما أضيق التاريخ عند هؤلاء بسبب تفكيرهم السخيف وعلماء الحفريات يقدمون أدلة على وجود آثار بشر موغل في القدم ولا دليل ولا بينة على أعراقهم أو ألوانهم أو ألسنتهم . أليس من السخف أن يتحدث عصيد وأمثاله من ذوي النظر  الضيق والقاصر الذي لا يتجاوز أرنبة الأنف  بعبث عابث أمام كشوفات أثرية  كشفت عن جماجم وهياكل عظمية لا سبيل لتحديد عرقها أو لونها أو لسانها ،وما ينبغي ذلك لأحد ،وما يستطيع لأن ذلك مما استأثر بعلمه الخالق وحده سبحانه وتعالى.

وأخيرا نقول للعقلاء الأكياس من كان يريد الكرامة والعزة، فليلتمسها في تقوى الله عز وجل ، و يربأ بنفسه عن نتن وعفن عصبية  العرق  واللون واللسان مشفقا على نفسه من وضعها في موقف مثير للسخرية .

وسوم: العدد 834