آفة الأنانية إفساد الود بين الذين يرتبطون بعلاقات
الأنانية لغة عبارة عن مصدر صناعي مشتق من كلمة " أنا " التي يشير بها الإنسان إلى نفسه الأمارة بالسوء وقد جبلت على ذلك إلا ما رحم الله عز وجل . والأنانية عبارة عن إفراط في حبّ الذات والإعجاب الأعمى بها مع إهمال الغير ، وعدم الاهتمام به أو التفكير فيه ، والمبالغة في استغلاله والاستفادة منه بأثرة ودون إيثار . والشائع في الناس أن الأناني لا قريب ولا حبيب ولا صديق له لأن أنانيته تفوت عليه فرص التمتع بالقرابة والمحبة والصداقة .
والأنانية بهذا المعنى سلوك معيب يكون الأناني إما جاهلا به جهلا تاما ، أو واعيا به تمام الوعي ومصرا عليه إصرارا ، وهذا أمر مؤسف جدا ، بل هو مصيبة عظمى لأن من كان على هذه الحال لا ينفع معه نصح ، ولا يؤثر فيه نقد ، ولا يرجى خلاصه من أنانيته .
وأخطر ما تكون الأنانية حين تكون بين ذوي القربى والأرحام حيث يشق على الإنسان أن تكون أنانية ذوي القربي سببا في القطيعة معهم ،وهم أرحام أوجب الله تعالى صلتها .
و الحياة الزوجية على سبيل المثال لا تستقيم وأحد الزوجين أوهما معا تغلب على طبعهما الأنانية لأن المفروض في العلاقة الزوجية المودة والرحمة كما نوّه الله عز وجل بذلك في محكما التنزيل ، ولا تبقي الأنانية على مودة ولا على رحمة بين زوجين إذ كيف يودّ الواحد منهما الآخر وهو أناني يؤثر عليه نفسه ، ويجعلها شغله الشاغل ، ولا يعنيه من أمر من يودّه شيء ؟ وكيف يرحمه وهو لا يحس به أصلا ، ولا يشاطره أحاسيسه ولا همومه ، ولا يبالي به ، ولا يرى فيه سوى مطية تمتطى ، وجسرا يعبر عليه إلى ما فيه نفعه وفائدته ومصالحه ؟
وقد تتفاقم الأنانية تفاقم العلة المزمنة بين الأزواج ، فلا يفكر أحد الزوجين إلا في نفسه ووالديه وإخوته وأخواته يريد لهم الخير ، ويخشى عليهم من المصائب ، ولا يبالي بالآخر ولا بوالديه ولا بإخوته وأخواته، وأكثر من ذلك يريد بهم السوء ويفرح إذا مسّهم ، ويتخذ هم أعداء يعاديهم ، ويغيظه الغيظ الشديد اهتمام شريك حياته بهم لأنه يريد الانفراد والاستئثار به وكأنه خلق من بيض كالطائر لا من رحم ، أو كأنه وجد دون أن يكون جنينا ووليدا وصبيا وفتى أو كأنه خلق له وحده لا يشاركه فيه أحد ،وما أكثر بيوت الزوجية التي خربتها أنانية الأزواج ، وما أكثر الأسر التي فككتها وشردت أفرادها ويتمت صغارها .
وعلاج الأنانية إن لم تصر مزمنة أن يقلع عنها الإنسان كلما حدثته نفسه بها ، وأن يتحرى التخلص منها بسؤال الذين ترتبطه بهم علاقة عما يشينه منها سواء كانت تلك العلاقة زواجا أو قرابة أو صداقة أو زمالة أو جوارا لتصحيح نفسه .
وقد يبدأ علاج الأنانية بأبسط السلوكات اليومية التي قد لا يبالي بها الناس وذلك بالإحجام على سبيل المثال عن إصابة ما تشتهيه نفس الإنسان من لذيذ الطعام والشراب في حضرة أو غياب من تكون له بهم علاقة ، وبالامتناع عن تجنيب نفسه المشاق التي يرضها لغيرها ... وتتدرج الأنانية حتى تصل أقصى درجات االسوء في أمور أكبر من أبسط السلوكات اليومية حيث تصير استبدادا وعتوا ممقوتين ،وظلما صارخا ومدمرا لكل العلاقات على اختلاف نوعها .
والأنانية من الكبر ذلك أن صاحبها لا يقبل التنازل عن كبريائه ، ويرى في خفض جناحه ذلا ومعرة ، ولا يبادر بطلب عفو وهو مخطىء و مقصر و معتد وظالم .
والأناني سفيه يقايض محبة الناس له بكراهيتهم له وهو على أنانيته لا يتخلى عنها ومما يشبه به عندنا في ثقافتنا المغربية أنه كالزيت التي يرفعها الماء لخفة وزنها ، فيقال عنه فلان كالزيت فوق الماء سخرية منه وتعريضا به بسبب أنانيته .
وقانا الله وإياكم من الأنانية وجنبنا مسالكها ومهالكها ، ونسأله سبحانه أن يبصر كل أناني بعيب أنانيته ليقلع عنها قبل أن يصير كالأجرب الذي يتحاشاه الناس .
وسوم: العدد 836