تركيا والاتحاد الأوروبي.......طريق وردي شائك

د. ناجي خليفة الدهان

تعد مسيرة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي شائكة وطويلة، ومازالت إلى اليوم مليئة بالألغام والعقبات على الرغم من مرور أربعة عقود. فتركيا واليونان كانتا أول دولتين توقعان اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فبينما وقعت اليونان اتفاقية الشراكة في 1961، نرى أن تركيا وقعتها عام 1963بروتوكول أنقرة الذي رشحها في العضوية للاتحاد، وكلتا الاتفاقيتين منحتا الدولتين إمكانية الدخول في عضوية الاتحاد طبقاً لمعايير معينة عندما يتم تحقيقها فضلاً عن معاهدة روما. وهكذا انضمت اليونان إلى عضوية الاتحاد عام 1981، ومازالت تركيا تغرّد خارج الاتحاد على الرغم من تقدمها بطلب انضمام آخر إلى الاتحاد عام 1987. وإلى يومنا هذا، مازال الصراع مستمراً بين فريقين في الاتحاد، فريق يرى أن توسع الاتحاد الأوروبي باتجاه تركيا سيهدد أمن أوروبا وهويتها، وسيضيف عبئاً اقتصادياً مترتباً على الانضمام، وفريق آخر يعد أن وجود تركيا داخل الاتحاد هو عامل قوة للاتحاد وبقاءها خارج الاتحاد هو عامل ضعف، فمن الأفضل أن تكون هناك تركيا قوية تشكل منفذاً للاتحاد نحو العراق وإيران وسورية.

ولن تكتفي تركيا في التوقيع على البروتوكول بل إن مسيرة تركيا كانت طويلة الى الاتحاد، حيث سارعت الى العضوية في الاتحاد الجمركي، وقعت تركيا والاتحاد الأوروبي في السادس من آذار 1995. وقمة هلسنكي من 10 - 12كانون الأول 1999 وهي بداية مرحلة الأوربة في تركيا، مع منح تركيا وضع العضو المرشح للانضمام إلى الاتحاد، وكانت تركيا عضواً مؤسساً في عدد من المؤسسات الدولية الأوروبية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1961، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1971، واتحاد أوروبا الغربية حتى تاريخ نهايته منذ عام 1992 وحتى 2011.  بعد كل هذه المسيرة الطويلة لم تسلم تركيا من المطالب والانتقادات الأوروبية وقد صدرت اللجنة الأوروبية تقارير سنوية تنتقد بعض الإجراءات التركية في مجال حقوق الإنسان والدمقراطية وأمور عديدة مع كل الاصلاحات التي قدمتها تركيا في التطور الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي، ومع ذلك يطلب من أنقرة بتبني وثيقة خاصة بالإصلاحات.

وفي قمة نيس كانون الأول عام 2000ونظراً إلى تحسن الأجواء بين الجانبين، صادق المجلس الأوروبي على "وثيقة شراكة الانضمام، وحددت القمة الأهداف المتوسطة المدى التي يجب على تركيا أن تنجزها لنيل العضوية، وقبلت تركيا هذه الشروط ما دفع الاتحاد في منتصف كانون الأول 2001 إلى منح تركيا وضع الدولة المؤهلة للترشيح.

واستمرت تركيا في تنفيذ شروط  الاتحاد الأوربي وفق معاير "كوبنهاكن" بكل دقة وحرص شديد لرغبتها الصادقة في الانضمام إلى الاتحاد، وحققت تركيا قفزات نوعية وتحولات كبيرة في كل المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وعلى سبيل المثال في جانب التعليم العالي بلغ عدد الجامعات 220 جامعة، ووعد الرئيس رجب طيب بأنها ستبلغ 500 جامعة خلال عام 2023، ومقارنتا مع الولايات المتحدة التي حجمها السكاني ثلاث مرات بقدر تركيا فيها 150 جامعة، وفي المقابل في كل قمة للاتحاد الاوروبي يتم انتقاد تركيا وتطالبها بشروط جديدة، وتقبلها تركيا وتسارع الى تنفيذها من أجل الانضمام، وتحاول وبكل جهد لتحقيق حلمها المنشود، إلا أن العقبات والعراقيل الأوروبية كثيرة أمامها وذات غايات أخرى غير معلنة، فهل تستسلم أنقرة وترفع رايتها البيضاء أمام جدران المنع الأوروبية العالية؟ وما هي معوقات دخولها؟ وما الأسباب الحقيقية لرفض الأوروبيين لها؟

لماذا تريد انقرة الدخول للاتحاد الأوروبي؟

هدف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي خيارا استراتيجيا بالنسبة لها. وتسعى في السنوات الـ15 الأخيرة إلى تحقيق التكافؤ مع القوى الأوروبية الكبرى، خاصة (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، لأن من ضمن شروط الانضمام للاتحاد وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الاتحاد، وتركيا بالطبع استطاعت تحقيق نجاحات اقتصادية ضخمة جداً في آخر عقدين وتحولت اقتصاديا من التسلل 111 الى 16 ويسعى الرئيس رجب طيب إلى جعل تركيا ضمن المجموعة العشر خلال عام 2023، مما يرشحها «اقتصادياً» بقوة للانضمام الى الاتحاد، والاستفادة من مميزات السوق الاوربية الموحد ة.

وعند انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فذلك يعني الاستقرار السياسي والديمقراطي والاقتصادي، كما أن السوق المشتركة ستتوسع بين تركيا والدول الأوروبية، ما سيخلق الكثير من النشاط في حجم التبادلات الاقتصادية والتجارية. وتسعى تركيا إلى توسيع دائرة استقطاب الاستثمار الخارجي، وخصيصاً الأوروبي.

وأشار الرئيس أردوغان في برنامج "استراتيجية الإصلاح القضائي في أنقرة، إلى أن الإصلاحات التي حققتها تركيا حتى الآن "هي أكثر حرية وتشاركية وتظهر إرادتنا في تحقيق الديمقراطية".

ما هي معوقات دخول تركيا للاتحاد؟

يتحجّج الأوروبيون بين الحين والآخر بأن تركيا، وخصيصاً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2016، بتدهور حالة حقوق الإنسان في تركيا، إذ أعربت دول أوروبية عن قلقها إزاء ما سمَّته «تدهور سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية الإعلام ومكافحة الفساد». كما دان نواب أوروبيون تصريحات الرئيس التركي بالدعوة لإعادة فرض عقوبة الإعدام على الانقلابين، وهو ما يعد بالنسبة للأوروبيين «مخالفاً لمعايير الانضمام إلى الاتحاد».

في يوليو 2017، أصدر البرلمان الأوروبي توصية بتعليق المفاوضات الجارية مع أنقرة لتخوّفه من إدخال التعديلات الدستورية -التي وافق عليها الأتراك في الاستفتاء الذي جرى في حينه، والتي تمنح صلاحيات تامة للرئيس.

وفي الربع الأول من هذا العام، أقرَّت لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي مناقشة مسودة التقرير السنوي المتعلق بمدى «تحقيق تركيا المعايير الأوروبية في مختلف مجالات الحياة»، والتي نصّت على تعليق انضمام تركيا للاتحاد. أما تركيا فقد رفضت ما تضمَّنته مسودة التقرير الذي يطالب بتعليق رسمي لمحادثات انضمام تركيا للاتحاد، ونلاحظ الاعذار والحجج لإبعاد تركيا عن الاتحاد لا تكاد تنتهي! وآخرها القلق البالغ من إلغاء الانتخابات البلدية في إسطنبول التي أجريت في مارس/آذار الماضي، وفازت فيها المعارضة.

يا ترى ماهي الأسباب الحقيقية لرفض الأوروبيين لها؟

تختلف وتتعدد معوقات الحقيقية في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فبالنسبة للأوروبيين، هناك معوقات ديموغرافية، إذ أنّ انضمام تركيا للاتحاد سيجعلها ثاني أكبر عضو فيه من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، حيث بلغ عدد سكان تركيا حوالي 80 مليون نسمة وفقًا لآخر الإحصاءات. وعليه، قد تكون تركيا الاسلامية العضو الأول في الاتحاد خلال السنوات القليلة القادمة وفقاً لبعض التقديرات. وهذا التعداد يعطي لتركيا الاسلامية عدداً أكبر من الممثلين داخل البرلمان الأوروبي، ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه والمسيطرين، وهذا بالطبع ما يثير قلق ومخاوف سياسي العديد من دول الاتحاد.

وعلى المستوى الاقتصادي يتوقع الأوروبيون أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها، للبحث عن فرص عمل في هذه الدول وهذا يزيد من نسبة أعداد المسلمين فيها وهذه أيضا ترعبهم، ونظراً لأن العمالة التركية تعدّ من العمالة غير المكلفة كثيراً فسوف يساعد هذا على تدني الأجور في هذه الدول، وزيادة معدلات البطالة.

ومن جانب آخر فأن رصيد تركيا الإسلامي كبير ولا يمكن تجاهله ولها مواقف في كل الأحداث التي تتعرض لها الأمة الإسلامية، وأن دخولها في الاتحاد سوف يجعلها تطّلع على كل المخططات التي تعد من الاتحاد الاوربي تجاه العالم الاسلامي وهذا يعتبر من أخطر ما يتوخاه الاتحاد.

فضلا عن توقع انتشار السلع التركية الرخيصة في دول الاتحاد، مما يؤثر على أسعار الصناعة المحلية في هذه الدول، فضلاً عن تأثيره على مستوى الجودة.

هذه هي أبرز الأسباب الحقيقية لتأجيل دخول تركيا للاتحاد الأوربي، كونها دولة إسلامية وتعدادها السكاني في نمو كبير سيجعلها تكو الدولة الأولى في الاتحاد وما يترتب على ذلك من تبعات هجرة الأتراك إلى دول أوروبا وتأثير ذلك ديموغرافيا عليها.

ماذا يقدم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي؟

سيساهم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي بتوسيع السوق الداخلية الأوربية وسيعزز القدرة التنافسية النسبية للاتحاد الأوربي في الاقتصاد العالمي. وستشكل تركيا مكسبا حقيقيا للاتحاد الأوربي بحكم موقعها الجيوستراتيجي وامتلاكها طاقات اقتصادية كبيرة وشعبا مثقفا وديناميكيا، واتباعها سياسة خارجية متعددة الأبعاد والرؤى. ولن تشكل عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي عبئا عليه، بل على العكس ستكسبه قيمة مضافة. وتحقيق التقدم في هذه العلاقة في إطار الوصول إلى الهدف النهائي، ألا وهو الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، يتمتع بأهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا والاتحاد على حد سواء.

تواصل تركيا سيرها بخطى ثابتة للتقدم نحو تحقيق هدف العضوية الكاملة. وتعتبر الديمقراطية وتطوير حقوق الإنسان ومؤسسات اقتصاد السوق الحر وترسيخ معايير الحياة المعاصرة في كافة الصعد، من أهم ديناميات السياسة التركية تجاه الاتحاد الأوربي.

وبالتالي فإن حاجة تركيا وأوروبا المتبادلة لبعضهما أمنياً واقتصادياً، فضلاً عن روابط اجتماعية تتعلق بوجود خمسة ملايين من أصول تركية بالدول الأوروبية.

ولو كانت تركيا من الدول المسيحية الصغيرة لتم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل سنوات مثل اليونان، ولكنها دولة مسلمة كبيرة بحجمها الجغرافي وعدد سكانها البالغ 80 مليون نسمة وتاريخها العريق كوريثة الإمبراطورية العثمانية، التي ما زالت أوروبا تتذكر جيوشها وفتوحاتها، وبالتالي، يصعب على أوروبا "ابتلاعها وهضمها"، الأمر الذي يجعل الأوروبيين يعرقلون تقدم تركيا نحو الانضمام إلى اتحادهم ويضعون أمامها خنادق ومطبات وسواتر ترابية، فهل سيفتح الاتحاد الأوروبي أبوابه لدخول تركيا؟ أم المفاوضات الجارية مجرّد مماطلة لتجعل تركيا تنتظر أمام أبواب أوروبا لسنين طويلة؟

وقد أجاب ديفيد كاميرون" بكل صراحة على هذا السؤال حين أراد أن يطمئن البريطانيين المتخوفين من تدفق ملايين الأتراك نحو بلادهم، وقال: إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مجرد احتمال بعيد، ويمكن ألا يحصل قبل العام 3000.

ومن المتوقع أن تتراجع نسبة الترك الراغين في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر كلما تحسنت الأوضاع الاقتصادية والتنموية في تركيا، في ظل ترنح الاتحاد الأوروبي الذي تعاني عواصمه من مشاكل واضطرابات، وأن رئيس الجمهورية التركي "رجب طيب أردوغان"، أثار مؤخرًا احتمال أن تنظم تركيا استفتاء حول مواصلة المفاوضات لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي على غرار الاستفتاء البريطاني، وسيكون الخاسر الاكبر هو الاتحاد الأوروبي.

ولكن في المقابل على تركيا أن تدرك بأن مماطلة الاتحاد الاوروبي ستستمر ويستمر معها التآمر في مشاريع تحطيم التجربة التركية، رغم فشل كثير منها لكن ستعاود الكرة مرة أو أكثر لتحقيق التغير في الحزب الحاكم الذي يعيد تركيا الى الوراء دورها التقليدي كدولة وظيفية دعمها الغرب وهذا لن يكون إن شاء الله.

وسوم: العدد 838