من أجل سوريا يحتاج تعديل الدستور سنوات ومن أجل بشار دقائق!
ثمة هواجس وشكوك ووساوس تتناهب دواخل السوريين اليوم وهم يتابعون الأطوار الماراثونية لتشكيل والتئام ما تسمى اللجنة الدستورية المزمع إنشاؤها لمناقشة-على أساس- الدستور السوري العتيد المرتقب، مستذكرين بألم ومرارة مسرحية تعديل الدستور الهزلية في صيف العام 2000 لتنصيب الفتى التحفة وأعجوبة الزمان ملكاً ووريثاً مطوباً ومدموغاً «أولبراتياً» للمزرعة الأسدية-المخلوفية أو ما كان يعرف سابقاً، قبل «النكبة»، باسم سوريا، فمنذ مؤتمر جنيف قبل سنوات طوال وهم يتحدثون ويتناقشون ويتصارعون و«يتباكسون» ويختلفون على وضع دستور جديد لسوريا، وما زالوا مختلفين، مرة على بعض البنود، ومرة على أعضاء اللجنة الدستورية، ومرة على صلاحيات الرئيس الموسعة التي جعلت من «الأسدين» (المؤسس ووريث المزرعة)، أكثر صلاحية ونفوذاً وقوة من نابليون بونابرت وإمبراطور اليابان والشاهنشاه أيام العز والجاه.
ومن الواضح أن المتلاعبين بمصير سوريا وشعبها سيظلون يماطلون ويضحكون على السوريين بلعبة الدستور السخيفة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. طبعاً ونحن نتابع فصول هذه المسرحية الممجوجة يتبادر إلى أذهاننا أمران صارخان، ونتساءل ونحن نرى هذه الجلبة والصراع المحلي والدولي على الدستور الجديد: لماذا يا ترى استغرق تعديل الدستور السوري بضع دقائق في مجلس الشعب بعد وفاة حافظ الأسد للسماح لبشار «الولد» أن يصبح رئيساً لسوريا؟ لماذا لم نسمع أي اعتراضات أو خلافات أو ضجة أو مماحكات؟ لماذا مر الأمر بلمح البصر وبدقائق معدودات أسدل الستار مسرحية التوريث؟ بالمناسبة نحن لا نحاول إهانة بشار الأسد بوصفه بالولد عندما تم تعديل الدستور من أجل وصوله إلى الرئاسة، لا أبداً، فقد كان بشار وقتها حسب الدستور السوري غير مؤهل لأن يصبح رئيساً بسبب صغر سنه، وبالتالي كان غير بالغ سياسياً عندما أصبح رئيساً وذلك حسب بنود الدستور السوري الذي وضعه أبوه المؤسس حافظ الأسد. لكن الأهم هنا أنه تم تعديل الدستور السوري من أجل عيني طبيب العيون كما لو كنت تعدل رقماً بقلم رصاص على «شقفة» ورقة.
تعالوا نقارن الآن عملية تعديل الدستور السوري في مجلس الشعب من أجل بشار بعملية تعديل الدستور السوري من أجل سوريا وشعبها. من أجل بشار جرى التعديل بكل يسر وسهولة، أما من أجل السوريين والوطن فما زال الدستور يواجه ألف عثرة وعثرة منذ بداية الثورة. الأمر مختلف هذه المرة عن مسرحية مجلس الشعب، فالشعب دفع تضحيات لم يدفعها أي شعب في العالم من ملايين الشهداء والمشردين واللاجئين من أجل دستور يخدم مصالحه لا مصالح الطغمة الحاكمة، لهذا ما زال النظام وكفلاؤه الروس يماطلون مع القوى السورية المطالبة بدستور جديد من أجل سوريا وشعبها. لكن السؤال الأهم في هذه اللعبة الدستورية: ما فائدة أن يتم وضع دستور جديد لسوريا حتى لو كان في صالح الشعب لا في صالح النظام؟ هل قامت الثورة أصلاً من أجل دستور جديد؟ لا نعتقد مطلقاً، فالدستور السوري القديم يصلح لأن يحكم سويسرا بعد تعديل بعض المواد البسيطة الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية وأجهزة الأمن.
الدستور مجرد كراس لا قيمة له، لأن النظام يحكم سوريا منذ عقود بقوانين الطوارئ، وبالتالي يستطيع أي عنصر أمن أن يدوس الدستور وكل القوانين الدستورية بمباركة من رئيس الجمهورية الذي أعطى للمخابرات التي تحمي نظامه صلاحيات أسطورية
بعبارة أخرى، المشكلة ليست في الدستور، بل في تطبيق مواده وبنوده. متى عمل النظام أصلاً بالدستور إلا حينما احتاجه لتعديل مادة تسمح لبشار الأسد بالوصول إلى سدة الرئاسة؟ السوريون جميعاً يعلمون أن الدستور مجرد كراس لا قيمة له، لأن النظام يحكم سوريا منذ عقود بقوانين الطوارئ، وبالتالي يستطيع أي عنصر أمن بحاجة لعشرين عاماً لأن يصبح حماراً، يستطيع أن يدوس الدستور وكل القوانين الدستورية بمباركة من رئيس الجمهورية الذي أعطى للمخابرات التي تحمي نظامه صلاحيات أسطورية، ومنع أي جهة مدنية أو قضائية أن تقاضيها، وبالتالي صار عنصر الأمن أقوى من أي دستور. وكي لا نطيل في الشرح، فإن الدستور السوري حسب محمد الماغوط قد أكله الحمار «الأمني» دون أن يدري أنه دستور ربما، أو يؤكل حتى، وذلك منذ زمن بعيد منذ فقدت سوريا عذريتها وكرامتها على يد الأسدين المؤسس والوريث، فلماذا إذاً كل هذه الضجة حول الدستور الجديد؟
لو كان الدستور الجديد مهماً فعلاً، لما عمل المحتلون الروس والإيرانيون والأمريكيون والإسرائيليون على إعادة تأهيل النظام وأجهزته الأمنية. ما فائدة الدستور حتى لو كان نسخة عن جمهورية أفلاطون إذا كان النظام وكفلاؤه يريدون إعادة سوريا والسوريين إلى تحت أحذية أجهزة المخابرات وكلابها ووحوشها؟ إن سوريا الجديدة التي يتحدثون عنها أصبحت معروفة الملامح بعد التغييرات والتعيينات الأمنية الأخيرة التي جرت بمباركة روسية وأمريكية وإسرائيلية وإيرانية والتي أحيطت بهالة وتغطية إعلامية نادرة تأكيداً لدورها وأهميتها بالمرحلة المقبلة واستمراريتها ما ينسق ويلغي أي دور وجدوى ومعنى للدستور العتيد ما يؤكد أنه لا يبدو أنه سيكون هناك أي نية لتغيير النظام أو تركيبته أو عقليته بوجود تلك الأسماء والأجهزة القدرية التي لم يكن لها من شغل سوى الدوس على الدستور وانتهاكه آناء الليل وأطراف النهار حتى تحولت سوريا إلى جزر أمنية وإقطاعات مافيوزية يتناهبها ويتقاسمها هؤلاء ويوزعون مواردها وثرواتها فيما بينهم، بدليل أن كل القيادات الأمنية الجديدة هي من صلب النظام ومن قرية واحدة مثلاً قرية «جنينة رسلان» العلوية بالدريكيش قضاء طرطوس، فيها اثنان من مدراء الإدارات الأقوى في سوريا.
ما فائدة أن تستبدل السفاح الطائفي التاريخي جميل الحسن رئيس المخابرات الجوية بنائبه العلوي غسان إسماعيل الذي تتلمذ على يديه وساعده على مدى عقود في كل مهماته الإجرامية؟ ما فائدة استبدال عليشة بعلوش، و«أبو جعفر بأبو حيدر»؟ وحتى القيادات الأمنية السنية الجديدة لا يمكن التعويل عليها، فهي غالباً تزايد على الضباط العلويين في البطش والإجرام كي تثبت كفاءتها أمام القيادة الطائفية. قبل سنوات سألت مسؤولاً سورياً كبيراً في عز الثورة: «هل نحن مقبلون على سوريا ديمقراطية جديدة بعد الثورة وبعد كل هذه التضحيات التاريخية؟ هل سيحكمنا الدستور والقانون بدل رجل الأمن الطائفي؟» فرد ضاحكاً: « شوف يا حبيبي. لقد كانت هذه الفورة درساً رائعاً للمخابرات السورية، فقد تعلمت منها الكثير الكثير، وأصبحت أكثر قدرة وكفاءة على ضبط سوريا والسيطرة عليها وعلى السوريين». يعني كل ما عاناه السوريون على أيدي هذه الأجهزة المغولية الوحشية على مدى عقود كان مجرد مقبلات. ثم يأتي بعض المغفلين ليراهن على دستور جديد. لا يفل الحديد إلا الحديد.
لن «يشيل الدستور العتيد الزير من البير»، ولا يعول عليه في أي عملية تغيير، ولا معنى لأي دستور مقبل دون ثقافة دستورية، ودولة وأجهزة تحترم القانون وتصون الدستور، وآليات ومؤسسات رقابية تتابع الانتهاكات وتحاسب المرتكبين والمنتهكين، وطالما بقي نفس هذا النهج الفاشي البربري الوحشي الإقصائي ونفس هؤلاء الذين داسوا على القانون والدستور لعقود ولعقود فلا معنى، حقيقة، ولا قيمة، بالمآل، لأي قانون ودستور.
وسلامتكم!
وسوم: العدد 838