وجدة.. مدينة المساجد والمقاهي
قالوا عن المدينة إنها تنافس إسطنبول من حيث عدد المساجد، وقيل بل إنها فاقت عدد مساجد القاهرة. لكنْ أيّ مدينة تضاهيها من حيث عدد المقاهي يا ترى؟ قد تبدو المناسبة غريبة والمقارنات أغرب، لكن الدلالات والعِبَر لا تخفى. ودونك ما قلّ ودلّ!
تمتلئ المساجد يوم الجمعة، أما المقاهي فتغصّ بأهلها حين تواجه برشلونة مدريد. لكن المقاهي لا تُغلق أبوابها في وجه روّادها، أما المساجد فلا تستقبل ضيوف الرحمن إلا كل صلاة. عشرُ دقائق كافية لإخلاء المسجد من عمّاره في انتظار الصلاة الموالية. قد يَجمع زبناءَ المقهى "برّادُ" شاي، وعلى الرغم من أن صاحب المقهى يودّ لو كانت "براريدَ" إلا أنه لا يتجرأ على إزعاج زبنائه. يُنفق بناةُ المساجد أموالا طائلة للزخرفة والنقش، واقتناء ثريا عظيمة تضيء ليلةَ القدر التي يعلمها القوم وأخفاها الله لحكمة. قد يكلِّف المنبرُ شهورا من تبرّعات الكادحين، وحين يَصعده الخطيب يلغو أو تئنّ العربية من عِظَم زلاته.
لا حرج من النميمة والغيبة في المقاهي، ولا يضر إن لم يغضّ الزبون البصر، لكنها محرمات في المساجد. وقد يتيهُ المرء بين كونه عابدا وكونه زبونا. ولا يُشترط للمقهى أن يستقبل القِبلة، لكنّ الأمر للمساجد لازب. ومع ذلك قد يأخذ المسجدُ أحيانا برأي المجزّئ لا برأي من يَسمِت للمصلين اتجاه الكعبة. لكنّ المكانين قد يتبادلان الوظيفة، فيصير المقهى "صالونا" أدبيا أو محفلا للتنوير، ويغدو المسجد منبرا للخرافة والتخدير. وفي المقهى ذم للزمان وأهله، وإهدار للوقت والجهد، وفيه أًنْس وملاقاة وخلوة ومطالعة وكتابة ومآرب أخرى، وكلٌّ يعمل على شاكلته. وليس في المسجد غير صلاة خفيفة، وخطبة ظريفة.
وإنْ تَعجبْ فعجبٌ أن يكون المسجد كبئرٍ مُعطّلة وإنْ كان كقصر مَشيد، ورُبّ مقهى نافع لو صادف ذا رأي سديد.
وسوم: العدد 839