معركة إدلب ... والنصر المزعوم؟

د. ناجي خليفة الدهان

clip_image002_69f0d.jpg

اهتمت بعض صحف العربية والقنوات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بموضوع تقدّم القوات الحكومية السورية في إدلب، وكذلك شرع الكثير من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين في الحديث عن آخر المستجدات على الساحة السورية وبخاصة فيما يتعلق بسيطرة جيش النظام السوري على كامل مدينة خان شيخون الواقعة بريف إدلب الجنوبي وما حولها من قرى ريف حماه الشمالي يوم الثلاثاء الماضي في 20/08/2019.

وبذلك أصبحت قوات النظام السوري على بعد كيلومترات فقط من الطريق الدولي. علماً أنّ مدينة إدلب ومحيطها مشمولتان "باتفاقية سوتشي" الموقعة بين الجانبين التركي والروسي.

إن الثورة السورية حقّقت انتصارات كبيرة في بسط سيطرتها على غالبية الأراضي السورية لولا تدخل القوات الروسية التي حالت -بتدخلها العسكري عام 2015 -دون سقوط نظامه، وكذلك لولا إيران، التي هبت سريعًا لنجدته، وحتى الآن يعتمد النظام على دعمهما الكبير في كل تحركاته العسكرية، لكن الدولتين تدفعان ثمناً باهظاً لتأمين حصتهما في تشكيل مستقبل سوريا. ولن يتخلّوا عن ذلك بسهولة، الأمر الذي قد يؤثر سلبا في مستقبل سوريا.

تصاعدت نبرت الإعلاميين خلال معركة إدلب وبخاصة بعد احتلال خان شيخون مبشرين بنصر كبير لقوات النظام والقوات المتحالفة معه، بأسلوب يعطي الانطباع العام عن تقدم لقوات النظام، وتقهقر لقوات المعارضة بله وخسارة المعركة.

وتأتي أهمية خان شيخون من موقعها الجغرافي على الطريق الدولي السريع الذي يمرّ بإدلب ويربط حلب بدمشق. ولطالما كانت خان شيخون نقطة اشتعال في الصراع التي تشهده سوريا، حيث تعرّضت عام 2017 لهجوم كيماوي، وصدر تقرير عن الأمم المتحدة حمّل فيه الحكومة السورية المسؤولية كاملة. وكان من تداعيات ذلك استهداف الولايات المتحدة لنقاط عسكرية تابعة للحكومية السورية بضربات جوية، رغم نفي دمشق مسؤوليتها عن الهجوم!

ويحاول النظام السوري، وروسيا وإيران السيطرة على مدينة خان شيخون لتحقيق مكاسب عسكرية هامة،

أولها: محاصرة ريف حماة الشمالي بشكل كامل، ما يعني وضع أهم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، وهو "جيش العزة"، ضمن فكي كماشة.

كما أن السيطرة على المدينة تفتح المجال واسعاً أمام السيطرة على الطرق الدولية، وسقوط أغلب ريف إدلب الجنوبي، ما يساعد في حسم المعركة لصالح النظام والروس. ومن الواضح أن المعارضة ألقت بكل ثقلها العسكري في معركة ريفي حماة، وإدلب، فهي تدرك أن الجولة الحالية حاسمة نظراً لأنها تمنح النظام من فرصة الحسم العسكري في آخر معاقل المعارضة واهمها في إدلب. ولهذا دافع "الجيش الوطني"، التابع للمعارضة السورية في شمال البلاد ببسالة عن أرضه، وقدم مئات الشهداء.

والهدف الثاني والأهم: لقوات النظام من هذا التصعيد هو إبعاد الجيش التركي، وقوات المعارضة عن الطريقين الرئيسيين وهما M-4 وM-5.

ولكن يجب أن نعرف طبيعة الحروب والمعارك، وكذلك يجب أن يعرف الرأي العام والقارئ الكريم أن الحرب سجال (كر، وفر)، فقد نخسر في معركة، ثم نربح أخرى، ولكل منها أسبابها ومتطلباتها، ولكن النتيجة النهائية تكون حين تضع الحرب أوزارها! فطالما أن الحرب مستمرة فالأمل باق، وطالما هناك ثائرون فالنصر قريب، ولنا في تاريخ أمتنا الإسلامية شواهد كثيرة، فقد انتصر المسلمون في معركة بدر عندما استحضروا متطلبات المعركة، وفي أحد خسر المسلمون لأسباب لا تخفى على أحد.

وأصبحت للحروب الحديثة نظريات تعرفها الجيوش الكبيرة في العالم، وهذه النظريات يجب أن تراعَ عند القتال، وتنظيم الجيوش في الحروب بدّل الكراديس إلى صفحات المعركة؛ صفحة التقدّم، وصفحة الهجوم، وصفحة الدفاع، وصفحة الانسحاب. ولكل صفحة لها خططها ومتطلباتها الخاصة بها، ولذلك فإن الانسحاب ليس نهاية المعركة وما هو إلا صفحة من صفحاتها! فلا يعتبر هروبا من المعركة أو خسارة لها بل تغيير الموقع إلى موقع أفضل لإدارة دفة المعركة، وأن تنفيذ صفحة الانسحاب إما لأسباب تكتيكية أو لعدم التكافؤ في ميزان القوى بين القوات المتحاربة أو لإعادة التنظيم للصفوف لخوض معركة أخرى أو لخداع تكتيكي لإيقاع خسائر في القوات المعادية.

ولنا من تاريخ قادة الفتوحات الاسلامية أسوة ففي معركة مؤته عندما استلم القيادة خالد ابن الوليد، كان جيش الروم مئتي ألف مقاتل وجيش المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل والمعركة غير متكافئة، فقرر رضي الله عنه سحب قواته للحفاظ عليها، وعندما وصل المدينة المنورة استقبلهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وقال عنهم: أنتم العكارون؛ أي الكرارون.

فلو أجرينا مقارنة لظروف المقاتلين على جبهات إدلب وحماه لكانت الصورة أوضح، حيث تتوزع القوات المعتدية في جبهات سوريا لثلاث دول هي قوات النظام السوري، والقوات الروسية، والقوات الايرانية، ومليشيات الحشد العراقي، ومليشيات حزب الله اللبناني، التي تمتلك كل أنواع الأسلحة الثقيلة والجيوش النظامية، فضلًا عن القوات الجوية الروسية، والسورية، التي تحرق الأرض تمهيدا للمقتحمين، وفي المقابل قوات المعارضة السورية والتي تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة فقط، ونتيجة المقارنة واضحة كل الوضوح، فهي تميل لصالح القوات الثلاث، والمليشيات التابعة لها لما تمتلكه من القوة النارية والأسلحة الثقيلة والقدرات الجوية، ومع كل هذا استطاعت المقاومة السورية الصمود لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، ولأن المعركة لم تبدء الآن، وتمكنت من إيقاع خسائر جسيمة في قوات النظام، فأي نصر يتحدثون عنه بعد احتلال خان شيخون؟، فالمعركة غير متكافئة   و المقاومة ضربت أورع المثل في التحدي والصمود... وما نراه  من انسحاب إنما هو نوع من أنواع التحضير والإعداد لجولة قادمة حاسمة. بل إن مجرد العودة إلى مواقع خلفية بسلام يعتبر نصرا كبيرا! كما فعل سيدنا خالد بن الوليد يوم مؤتة.

فإدارة المعركة الناجحة قد تحتاج إلى إعادة التموضع لترتيب الصفوف.

لقد فرض النظام طبيعة المعركة وأثّر في مسرح العمليات العسكرية حول إدلب، ومن خلال دراسة مسرح العمليات للمعركة، نجد أن قوات المعارضة في إدلب كانت في موقع لا تحسد عليه فهي محاطة من ثلاث جهات، وهذا الموقع يجعل مهمة الدفاع عن الأرض من أصعب المهام في حال توازن القوى، فما بالك في ظلّ اختلاف التوازن وميل الكفة لصالح القوات المعادية أضعافا مضاعفة! كيف لا؟ وهؤلاء المقاتلون يواجهون ثاني أعتى قوة عسكرية في العالم!، ومع كل هذا فقد سطّروا المواقف البطولية وصمدوا صمودا عجيبا لمدّة تزيد عن ثلاثة أشهر! ورغم كل أسباب التفوق لقوات النظام والقوات الرديفة، في القوّة النارية، والعدد والأسلحة والتحكم في مسرح العمليات وامتلاك قوات جوية... تمكنت قوات المعارضة من سحب قواتها بكامل قوامها وأسلحتها رغم ظروف معركة غير متكافئة! أليس هذا الانسحاب نصرا مؤزرا؟! فالانسحاب: هو صفحة من صفحات الحرب كما ذكرنا آنفا، والانسحاب تحت هذه الظروف عمل بطولي ونصر كبير، وهذا يدل على أن هناك قيادة حكيمة تخطّط بشكل جيد وتقود المعركة في أصعب الظروف، فتمكنت من تنفيذ صفحة الانسحاب بنجاح للحفاظ على القوات، والتحضير لمعركة أخرى في ظروف معركة أفضل.

إن اجتماعات تدور حالياً بين روسيا وتركيا للتباحث حول آخر التطورات الميدانية في محافظة إدلب شمال سوريا واخرها لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي بوتن يوم الثلاثاء 27/8/2019 في روسيا، فإن حسم مصير هذه المنطقة راجع إلى تفاهمات ثنائية بين البلدين، وفي حال تعثّرها قد تبقى المنطقة ضمن حالة عدم اليقين، وتستمر قوات النظام بالتوجه نحو مدن معرة النعمان وسراقب والالتفاف على بقية نقاط المراقبة ضمن سياسة الضغط القصوى، ولن يكون أمام تركيا إلا دعم جهود الفصائل في تحريرها واستعادة الأرض، إن الحرب لن تنتهي وهناك جولات للباطل،  وجولات الحق قادة وحاسمة والأيام حبلى بالمفاجآت وإن غدا لناظره قريب.

وسوم: العدد 839