المقارباتُ التركيّة في الملف السوريّ، و انعكاسُها على إدلب
ثلاثُ أوراق جعلتْ المقاربات التركية في الملف السوريّ، ذاتَ أبعادًا مستقبليّة، سيقف عندها صانع القرار في أنقرة مليًّا، و ربما تكون أحد أسباب إعادة تموضعه في طاولة الحلّ السياسي مستقبلًا، و هو ما سيتضح جليًّا في زيارة الرئيس إردوغان إلى موسكو يوم الثلاثاء: 27/ 8 الجاري، و قمة إستنبول الثلاثية يوم: 16/ 9، القادم.
أولاها: ملف المنطقة الآمنة شرق الفرات.
إنّه بغض النظر عن نبرة التفاؤل التركية، في تجاوز العقبة حولها مع الأمريكان، فإنّه ما يزال أمام مفاوضها الكثير من التفاصيل، لإيجاد منطقة خارج الجغرافية التركية، تستوعب شرائح من السوريين لم يندمجوا مع المجتمع التركي، و شرائح أخرى تريد دول الاتحاد الأوروبي إعادتهم إلى تركيا بموجب اتفاق بروكسل في: 18/ 3/ 2016.
و أحدثُ ما كان منها تعهدُ رئيس الوزراء اليوناني يوم الاربعاء: 22/ 8/ الجاري، بتغيير سياسة بلاده المتعلقة بطلبات اللجوء وتسريع وتيرة البت فيها، ليبقى من يحق له اللجوء بها، مشددًا على ضرورة إعادة المرفوضة طلباتهم إلى تركيا مرة ثانية، ضمن إطار" اتفاق إعادة القبول ".
يبدو أنّ الضغوط الأوربية في هذا الملف كانت أحد الأمور الملحّة، التي حملت المفاوض التركي، على الاستعجال في إعلان التوصل إلى اتفاق إطاريّ غير مكتمل مع الأمريكان، فضلًا على تغليب سياسة النصف خطوة، على الانزلاق في شرك صدام إثنيّ مع الأكراد، كان يُراد لتركيا و لحكومة العدالة على وجه الخصوص، أن تعلق فيه، بما يجعلها تتخلّى عن كثير من مناكفاتها مع بعض دول الإقليم.
و هو الذي دعاها إلى التعاطي الناعم مع التصعيد الروسيّ في شمال حماة و جنوب إدلب، بموجب اتفاق الجنتلمان، الذي ساد جلسات أستانا 13، و هو ما ذهب إليه عددٌ من المراقبين، الذين رأوا في التعاطي التركي مع تداعيات هذا التصعيد، خيبة أملٍ لدى كثيرٍ من السوريين، الذين عقدوا آمالًا عراضًا على تصريحات المسؤولين الأتراك، بأنّ إدلب عمق استراتيجي للأمن القومي التركي، و أنّها بذات الأهمية التي يولونها لأنقرة.
ثانيها: هيئة تحرير الشام.
حيث تبيّن أنّ أنقرة تتعامل مع هذا الملف بكثير من الحذر، و البراغماتية، رغم تعهدها بإنهاء ملفّها بموجب تفاهمات أستانا 4، في: 04/05/2017؛ إذْ أنّها تنظر إليها كأمرٍ واقع يصعب التعاطي معه وفق ما تطلبُ موسكو، أو ما تتمنّاه الفصائل التي أقصتها الهيئة عقب جولات الاقتتال الفصائلي، جعلت ظهر تلك القريبة من تركيا مكشوفًا أمام تحالف النظام في التصعيد العسكري الأخير.
إنّ تركيا التي حزمتْ أمرها أكثر من مرة لإنهاء هذا الملف، وجدت نفسها أمام حالة تقاعس غير متوقعة من الفصائل، بدعوى حقن الدماء و تغليب المصلحة العامة على رغباتها في الانتقام، و أوضح ما كان ذلك من حركتي أحرار الشام، و نور الدين الزنكي في آخر جولة للهيئة معهما، حيث أدّى غضّ الطرف من تركيا عن تحرّك الهيئة نحوهما إلى إقصائهما، و انفرادها في بسط السيطرة على عموم إدلب الكبرى.
و مع ذلك فإنّ تركيا أمام خيارات صعبة هذه المرة في التعامل مع هذا الملف، ولاسيّما عقب موجة الغضب العارمة من الحواضن الشعبية، من جرّاء سقوط " 49 " بلدة و مدينة مع تلالها الحاكمة بيد تحالف النظام، التي لم تقتنع كثيرًا بمبررات الانسحاب و التخلّي عنها.
و هي ـ الحواضن الشعبية ـ تلقي باللوم على الضامن التركي، الذي لم يكن بمستوى التوقّعات في الإيفاء بالتزاماته تجاه منطقة خفض التصعيد الرابعة، مغلّبًا في ذلك مصالحه مع الضامن الروسي، من أجل إنجاز ملف المنطقة الآمنة شرق الفرات.
ثالثُها: نقاط المراقبة التركية.
لقد رأتْ الحواضن الشعبية في النقاط الاثنتي عشرة، التي أقامتها تركيا في إدلب الكبرى، سياجًا يصدّ عنها أيّ تصعيد من تحالف النظام، وفق ما كرّره مرارًا المسؤولون الأتراك.
و زاد الأمر طمأنة لهم أنّ هذه النقاط وجدت لتبقى، ولاسيّما أنّها اكتسبت مشروعية وجودها من الضامن الروسي، الذي يعدّ وجوده في سورية مشروعًا بموجب مذكرة تفاهم من النظام، جاءت به في: 30/ 9/ 2015.
و قد صرّح أكثر من مسؤول تركي بأنّه لا نية لسحبها أو تغيير مواضعها، و حتى بعد محاصرة نقطة مورك، بعد عزل مناطق شمال حماة عن جنوب إدلب، عقب وصول النظام إلى الجهتين الشمالية و الغربية من خان شيخون؛ لأنّ الأمر يمسّ الهيبة التركية.
فهل ستتمسّك تركيا بمواقفها المعلنة بهذا الخصوص، أم أنّها ستصغي لصوت الحكمة، على غرار ما كان في ملفي: المنطقة الآمنة، و هيئة تحرير الشام ؟.
وسوم: العدد 839