المشهد اليمني -التدخل الخارجي وأثره في الصراع الداخلي
(الجزء الثاني)
ناقشتا في الجزء الأول من المقال؛ الصراع الإقليمي في اليمن وأثره على المشهد اليمني، وتطورات ما بعد أحداث عدن الأخيرة، وفي هذا المقال سنتطرّق إلى التدخل الدولي وأثره على الصراع في اليمن.
إنّ التمرّد الحوثي أدّى إلى تدويل القضية اليمنية، ما سمح لبعض الأطراف الدولية والإقليمية أن تتدخل بشكل مباشر في الشأن اليمني. "فقد تدخّلت هذه الدول في شؤون اليمن كافّة، كلّ حسب مشروعه وأهدافه، فأضعف الوحدة اليمنية القائمة، وهيّأ البيئة المناسبة لجميع القوى المعادية للوحدة، وللنظام الجمهوري أن تتدخّل.
إنّ انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحالف العربي ليس حبًا بها، ولا رغبة منها بمساعدة اليمن وإعادة استقراره، بل لتعقيد الأمور وإطالة أمد الحرب، وتفكيك المجتمع اليمني، وبالتالي تقسيم اليمن وفق الأجندات الطائفية والمناطقية والعشائرية لتامين السيطرة على الثروات، ولذلك ليس من المفاجئ أن يكن ضمن الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على الممرات البحرية الهامة، وأهمها باب المندب الذي تمّ تصنيفه من قِبل دائرة الطاقة الأمريكية كنقطة مرور بحري رئيسة، وما جعله مهما جدًا كذلك مرور ما يقارب (4،5) مليون برميل نفط يوميًا إلى أوربا، وأمريكيا، ودول العالم، ومما يجعل الأمور أكثر إثارة للاهتمام من قبل أمريكا والدول الصناعية، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ثبت بأن احتياطي اليمن من النفط ما يقرب ثلاثة مليارات برميل، فيما أظهر مسح جيولوجي أمريكي عام 2002م، أن كمية النفط الغير مكتشف أو غير المستخرج كبيرة إذا ما أضيفت إلى الاحتياطي المعروف، فإن إجمالي النفط في اليمن سيرتفع إلى (10) مليار برميل من النفط، فإن ما يكمن تحت الأرض اليمنية قد يمثل رهانا أكبر بكثير مما كان معروف سابقا.
فالتقرير الذي أصدرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في عام 1988م وأزيلت عنه السرية بشكل جزئي، يؤكد أن جنوب اليمن لوحده لديه إمكانية نفطية تبلغ (5) مليار برميل، ووفقا للخبير الاقتصادي حسن علي السناري، فإن البحث والتقييم العلمي الذي قامت به شركات التنقيب الدولية، يظهران احتياطي اليمن النفطي أكبر احتياطي في دول الخليج مجتمعة.
لهذه الأسباب تم إثارة الحرب في اليمين ودفع الأطراف المتحاربة على الاستمرار في الحرب لأطول فترة ممكنة من خلال (نظرية إعطاء الحرب فرصة)، بأثارة النعرات الطائفية، ودعم كل الأطراف المتحاربة، ودفع الدول الإقليمية للمساهمة فيها سواء بقصد أبو بغير قصد، خدمة لمصالحها في إضعاف الدول والمجتمعات وتحويلها إلى دول فاشلة منهارة اقتصاديا، ومن ثم السيطرة عليها وعلى ثرواتها.
أما روسيا ففي الوقت الذي توسع فيه حضورها في المنطقة، فإن هذا قد يؤدي إلى تعميق تدخلها في اليمن، وإعادة نفسها بصفتها لاعبا مهما في سياسة البلاد، ومن هنا فإن المواجهات الأخيرة بين الجماعات الداعية لانفصال الجنوب عن الشمال، والحكومة المعترف بها دوليا؛ فتحت الباب أمام روسيا لاستعادة دورها.
إن التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 يمثل مرحلة للتأثير في لعبة السلطة في الشرق الأوسط بعامة وشمال أفريقيا أيضا، وإن موسكو كانت تلتزم بموقف الحياد في النزاعات الإقليمية المتعددة، وتتحدث مع الأطراف كلها، وتقيم أي طرف يمكن أن تدعمه، وتحصل في النهاية على ورقة نفوذ تستخدمها مع الأطراف كلها، كما تفعل حاليا في اليمن.
وفي ظل غياب أمريكا والقوى الأخرى لدعم المفاوضات الشرعية، فإن روسيا تجد نفسها أمام وضع يتيح لها أن تقوم بدور محوري، وخاصة أنها الطرف الوحيد الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع أطراف النزاع كافة، فقد كان جنوب اليمن تحت حكم نظام ماركسي مؤيد للسوفييت منذ استقلال اليمن عن بريطانيا عام 1967 حتى الوحدة عام 1990 ونهاية الحرب الباردة.
وكانت روسيا، بالتحديد، لاعباً واضحاً أو نشطاً في اليمن طوال فترة الحرب، واستقبلت السفارة الروسية في صنعاء حتى اغتيال الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في عام 2017، ممثلين عن الحوثيين والمجلس الجنوبي الانتقالي، لكنها قالت: إنها تحترم الحكومة الشرعية لهادي "وهذه سياسة اللعب في المصطلحات السياسية".
وفي نيسان/ أبريل قام رئيس المجلس الجنوبي الانتقالي عيدروس الزبيدي بزيارة إلى موسكو بناء على دعوة من المسؤولين الروس، وزعم أن هناك "توافقا على حل سياسي شرعي"، وناقش إمكانية التعاون الاستراتيجي، ويبدو أن بوتين عازم على استعادة ما خسره الاتحاد السوفييتي"، ما يشير إلى أنه قد يعيد فتح العلاقات القديمة مع الجنوب اليمني، ويضيف أن المجلس الجنوبي الانتقالي "مستعد للعمل مع موسكو، وهذا يعطي روسيا القابلية للعمل معه".
إن المجلس الانتقالي الجنوبي استطاع تعزيز موقفه في الجنوب بصفته قوة سائدة، وعمل الحزام الأمني وبقية المليشيات التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة، وتفوق على القوات التابعة للحكومة اليمنية في القوة، مشيراً إلى أنه لهذا السبب سيطر على عدن وهزم الجيش الوطني.
لقد أقامت الدول الأخرى قواعد عسكرية لها على طول البحر الأحمر، الأمر الذي يثير انزعاج روسيا بأنها لم تنشئ واحدة، وربما منحها الجنوب اليمني المستقل الفرصة لإنشاء قاعدة".
وبعد سيطرة الانفصاليين على مدينة عدن مقرّ الحكومة المؤقتة، حدث تغير في الموقف الروسي تجاه اليمن، ولو استطاعت موسكو القيام بدور صانع السلام في اليمن فستكون لديها الحرية للتدخل في الشؤون اليمنية، وتعزيز تأثيرها في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حيث حاولت إقامة علاقات تجارية وعسكرية مع السودان، وإريتريا".
حيث لاحظنا توافقا في المصالح بين روسيا، والإمارات التي دعمت المجلس الانتقالي وجناحه العسكري، "ويبدو أن لدى روسيا، والإمارات مصالح متبادلة في جنوب اليمن، وفي الوقت الذي أقامت فيه روسيا علاقات مع السعودية، والإمارات، والمجلس الانتقالي، والرئيس هادي، فإنها تلقت دعوة من الحوثيين لتعمل وسيطاً في اليمن، ما يعني أن الطريق بات مفتوحا أمام موسكو للقيام بدور مهم في الملف اليمني، وبالتالي تقوية موقعها الإقليمي والدولي. والحال في مناطق أخرى في الشرق الأوسط".
في الوقت الذي قد يؤدي فيه الدور الروسي إلى إثارة حساسية السعودية، إلا أن هذا لا يمنع موسكو، وأبو ظبي من بناء علاقات قوية مع المجلس الانتقالي الجنوبي، إن الخطوط مفتوحة للأطراف كلها في النزاع، وأن هناك فرصة للمجلس الانتقالي للعمل مع حليف لا تريده الولايات المتحدة، لكن على علاقة جيدة مع الإمارات، التي تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، وإيران، ولو منحت موسكو شرعية للمجلس الانتقالي وقضيته فقد يتقبل تدخلها.
لغرض إيقاف الحرب من وجهة نظر بعض دول الخليج هو إعطاء بعض الامتيازات لدول الخليج في اليمن، مثل تصدير النفط السعودي عن طريق اليمن إلى ساحل البحر العربي، وأما الإمارات المتحدة فهدفها الأول السيطرة على موانئ اليمن الثلاثة عدن، والحديدة، والصليف، وحرمان اليمن من عائدات مالية سنوية تتجاوز 180 مليار دولار، وفي حال دخول الموانئ الثلاث ضمن منظومة طريق الحرير، وحزام الطريق الصيني وهي متمسكة بعدم الخروج من اليمن، بل بتقسيمه إلى شمال، وجنوب لكون المسألة بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، فاليوم الذي يتم التوقيع على اتفاقية الطريق بين اليمن والصين يعتبر شهادة وفاة لميناء دبي، وفي المقابل هناك توجه لمنع اليمن من الاستفادة من حقل الجوف النفطي العملاق، وهو ما عبر عنه اللواء أنور عشقي صراحة في المؤتمر السابع لطريق الحرير في الصين عندما قال: لا يمكن أن نسمح لليمن باستثمار الحقل النفطي العملاق بعيداً عن الشراكة مع دول الخليج.
هذا هو المشهد اليمني صراع في الداخل اليمني بين القوى، والأحزاب، والقبائل، (شعب ممزق، واقتصاد منهار، بلد مستباح، وتدخل إقليمي من دول الجوار) لأهداف ومصالح خاصة بهم، تتدخل الدولي لتامين مصالحها والسيطرة على الثروات، حيث إن الثروات في اليمن كثيرة ومتنوعة والثروة النفطية واحدة من أهم هذه الثروات، فضلا عن الموقع الاستراتيجي، والممر البحري المهم في العالم، والذي يسيطر على مرور 4،5مليون برميل يوميا، أهم سلعة في العالم فماذا لو استغلت كلها لخدمة الشعب والوطن؟!
ونستنج من كل ما تقدم ما يلي:
1 . ان سياسية الحوار التي اعتمدها اليمن سابقا لم تفضي إلى معالجة الأزمة السياسية بقدر ما أخرجت الصراع من صيغته السياسية إلى المواجهة المسلحة.
2. الأطراف المتنازعة تلجأ للحوار كتكتل سياسية لكسب الوقت، وترتيبها لأوراقها وتحقيقا لمصالحها الضيقة بعيدا عن المصلحة الوطنية.
3 . اعتادت الأطراف اليمنية الاستعانة بطرف خارجي أملا منها في مساعدتها للتوصل إلى تسوية، ترضي جميع الأطراف، كحل النزاع، والإشراف على تنفيذ بنود خطة التسوية، ونسوا أو تناسوا أن للعامل الخارجي في موازاة ذلك دور فاعل ومؤثر في زيادة حدة الصراعات الداخلية التي تشهدها اليمن وإطالة أمدها، وزيادة التصدع الاجتماعي والتدهور الاقتصادي، وتقسيم اليمن إلى دولتين أو أكثر وفق أجندة تخدم مصالحها، لأن التقسيم يعني إنشاء كيانات ضعيفة هزيلة تعتمد على دول أخرى في تسير أمورها، وهذا هو المطلوب للهيمنة على مقدرات الشعب وسلب إرادته.
وفي الختام الحل يكمن في مصالحة وطنية، والأفضل لليمنيين أن يتفقوا على اقتسام الثروة بدلاً من أن يأخذها الغرباء، وليس أمام الشعب اليمني إلا التوحد، وتجاوز خلافات الماضي، وعدم الاعتماد على الدول الخارجية مهما كان نوعها وصفتها (إقليمية كانت، أو دولية)، ونبذ كل ما يفرّق هذا الشعب العريق بحضارته وتاريخه، ويجب أن يكون ديدن الجميع أن الوطن يتسع للجميع بكل مكوناته وأطيافه، والاعتماد على قدرات الشعب الذاتية لإعادة بناء اليمن والاستئثار بخيراته وثرواته لصالح الشعب.
هذا هو الطريق الوحيد لإنهاء الصراعات بكل أشكالها وسيعود اليمن سعيد كما وصفه رب العزة والجلالة في قرانه الكريم.
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ). (15) سورة سبأ.
وسوم: العدد 841