هل حقا نحن أحرار فيما نكتب أم أن الخوف ما يزال ..!؟
بعض الناس يظن أن عصا السلطة هي أكثر ما يخاف الكاتب . وبعضهم يظن أن الخوف على " المصلحة " الشخصية أو الفئوية هي بعض المكرِهات التي تجعل الإنسان يلوي لسانه بالحقيقة لتحسب .. وما هي ..
ربما تكون كثيرة هي عوامل الإكراه المادي والمعنوي في حياة أصحاب الرؤية والرأي ولكن أكثرها تأثيرا في نفوس المعبرين ..
" سوء الفهم "
وسوء الفهم حالة إنسانية معممة ومعومة ضاربة في أعماق التاريخ . واجهها وحسب حسابها كل الحكماء على امتداد الزمان ..
قال " لولا أن قومِك حديثو عهد بشرك ..." وقال " كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .."
ولكن لسوء الفهم الحالة العريقة في بنية المجتمعات حالات من المد والجزر . وهي تبلغ في بعض المراحل ، مراحل الإدبار والانكسار ذروتها ، بحيث يكون النطق بالحق ، أو الإشارة إليه ، أو مقاربة الصواب من أخطر المخاطر أعظمها ، على شخص المتكلم . ويكون النطق بكلمة الحق نوعا من الانتحار يقدم عليه صاحبه فيصمت ، ليستطيل الشر ويطول عهده ويظل الناس غارقين في دوامة اللجاجة والباطل .
إن أقسى شيء يواجهه الإنسان أن يرميه بالسهام من نذر نفسه للدفاع عنهم ، وتحمل مسئوليتهم ، فيجد نفسه بين عدوين ؛ عدو قاصد وآخر جاهل لا يعلم ما يفعل ولا ما يُفعل به ..!!!
يقول صاحبي : كم جلست إلى أناس فصدقتهم وداراهم غيري ، وكنت فيهم مذموما محسورا وكانوا بينهم الأبطال الراشدين !!
ومن عوامل الإكراه على التواري وراء جدر الألفاظ ..
التربص والترصد ..
والمتربص المترصد ، ليس محدود الذكاء ، قليل الإحاطة ، بل هو الذي يسيل لعابه إلى ما في القصعة ، ويظن أن كل من حوله منافس له عليها ، وأن عليه أن يدفعه عنها، فإذا أصاب منه غرة ، ووجد في كلامه ثغرة اقتنصها ليزيحه ويقصيه ويرديه.
وكثيرا ما يخطئ بعض الناس فينسبون المتربصين هؤلاء إلى خلفياتهم أو إلى ألوان راياتهم أو أشكال قبعاتهم أو ألوان عمائمهم ، وكل ذلك بعض دوافع التربص وليس حقيقته ، وإنما حقيقة المتربص هي بقية القصعة ، ولو منتنا ، بقية القصعة مما يظنه أصحاب الإرب إربا .. فكيف يقول المرء ، وكيف يشير ، وهو يرى ألسنة هؤلاء المتربصين الحداد تفلي أطراف مقولته لتفتك به لا يأخذها فيه إلّ ولا ذمة ..
وبين هؤلاء وأولئك تبقى سهام المتاجرين بالباطل ورماحهم هي الحقيقة الوحيدة السائدة في ساحة قوم ، لم تبق لهم سياساتهم الخرقاء المتراكبة طبقا عن طبق ، اليوم ساحة ..
تقول العامة عن السكران المضيع للرشد : وسار " حائط يصده وحائط يرده " ويقول بوغدانوف إنهم قريبا سيعلنون عن تشكيل اللجنة الدستورية بالاتفاق مع الأمريكان وبعض الدول العربية .
والسكران الذي هو " نحن " يترنح أو يتنطح بين الجدارين . وإذا كان الحل الذي ينتظرونه هو اللجنة الدستورية - وصاحبكم لا يراه ولا يرى مقاربته ولا انتظاره ولا التعويل عليه - فما أقربها وما أيسرها لو كانوا يعلمون ..
فنحن لا نقدم كل هذه التضحيات ، ولا كل هؤلاء الشهداء ، لكي تقع اللجنة الدستورية بعين الرضا من فلان وفلان .. ولولا خوف سوء الفهم ، وحذر ألسنة المتربصين لكان للقائل في هذا مجال فسيح للقول . ذلك لمن رضي أن يكون الحل الذي ثرنا من اجله هو تعديل دستور ..!!!
وإذا رجعنا خطوة إلى ساحتنا نحن الذين لا نقول بأن الهدف من ثورة الشعب السوري هو إصلاح الدستور لا ابتداء ولا انتهاء ، فإننا مطالبون بأن يكون لنا موقف عملي . وأن نقدم للناس مخرجا بعيدا عن الجدران التي تصد وترد ، والتي يمكن أن تكون مرة أخرى روسية أو أمريكية أو إيرانية أو عربية أو ..
الرفض السلبي هين على المتكي . هين على من يضغط الزر فيشتغل في بيته مولد الحرارة . هين على الذي خزن في بيته حاجته من الوقود منذ أيلول ، وقبل إطلالة - المضلة - ولكن الناس الذين في المعتقلات والذين في الخيام وفي الملاجئ ، تنتظر سياقا يخرج بها إلى الفضاء الذي تريد ، أو الفضاء الذي يرتقي بها خطوة إلى الذي تريد ..
العجز ليس حالا فكيف إذا أصبح مقاما ؟! اللهم إني نعوذ بك من العجز والعاجزين . وكانوا يقولون : إن الأبدال في الأرض أربعون . وما أجمل العلاقة بين البدائل والأبدال من المصطفين الأخيار ..
أيها الناس اعجموا عيدانكم . وقربوا خياراتكم . وتوكلوا على ربكم فإنه نعم المولى ونعم المصير ..
نسبت أن أكتب
- أن الليرة السورية بعد أن صارت إلى عشر قيمتها خسرت منذ أيام ثلث هذا العشر .
- وأن الطيران الصهيوني خيط الجغرافيا السورية حتى البوكمال على حدود العراق .
- وأن ناقلة النفط الإيرانية أدريان قد أفرغت حمولتها في مخازن وقود الدبابات والطائرات الأسدية .
- وأن الرئيس رجب طيب أردوغان اكتشف أن الأمريكان يتحدثون عن منطقة آمنة لغيرنا نحن السوريين ..
وأنني بالأمس شعرت بالبرد يدب في أوصالي فمددت يدي إلى زر التدفئة فأدرته .
وأنني يمنعني خوف سوء الفهم ، وخوف تربص المتربصين من القول ، وأظنني قلت ما لم يقله حتى الآن الكثيرون ..
وأنني لم أفهم معنى دعائنا " واعزم لنا على الرشد " كما فهمته في هذا الزمان ..
وسوم: العدد 841