بيان المفيد فيما قصر عنه فهم عصيد من تسامح في سورة بني النضير
يعتبر هذا المقال استكمالا لمقال سابق أثرت فيه موضوع تجاسر العلماني الأمازيغي المدعو عصيد على كتاب الله عز وجل بوصف سورة من أعظم السور وهي سورة الحشر بما لا يليق بها من تعظيم وإجلال ، علما بأن كتاب الله عز وجل هو محل تعظيم وإجلال وتوقير كل مؤمن لا تشوب إيمانه شائبة .
وبسبب عمى بصيرة عصيد الذي أورثته إيهاعلمانيته المتشنجة أطلق لسانه في ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه زاعما أن سورة الحشر لا تعدو أن تكون دعوة للانتقام والكراهية، زاعما أنها تتعلق بانتقام الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود بني النضير بهدم بيوتهم واقتلاع نخلهم ، ولا تحمل رسائل السمو الأخلاقي من دعوات إلى التسامح أو المساواة أو السلم أو الحرية ...على حد قوله ، لهذا أنكر على وزارة التربية الوطنية أن تبرمج هذه السورة ضمن مقرر مادة التربية الإسلامية ، وتكون هي فاتحة الموسم الدراسي ، وأول ما يدرس للمتعلمين في سن بنته التي اعتبرها طفلة مع أنها في مستوى السنة الثالثة ثانوي إعدادي ، وفي سن السادسة عشرة ولو أنها تزوجت لأنجبت وكذّب زواجها وإنجابها ما يزعمه أبوها من أنها مجرد طفلة ، ولو كان صادقا في التصريح في زعمه هذا لصدق في غيره مما دأب على تلفيقه من أخبار كاذبة خاطئة .
ولقد أتى هذا العلماني بإد إذ نسب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظلم يهود بني النضير بإجلائهم من حصونهم ومصادرة نخيلهم. ونظرا لركوبه غروره فقد زعم أنه ممن يتقنون فهم كلام الله عز وجل ، وهدد واضعي برنامج مادة التربية الإسلامية الذي قرروا إدراج سورة الحشر فيها بالمتابعة والمحاسبة ، وكفى به غرورا أن تسول له نفسه التقديم بين يدي الله ورسوله وقد نهى رب العزة عباده المؤمنين عن ذلك ، ولو صح إيمانه كما يدعي مع أن ما يفوه به من إساءة لدين الله عز وجل يكذبه لما أقدم على ذلك.
ومن المعلوم أن سبب نزول سورة الحشر أو سورة بني النضير هو أن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة ذهب مع عشرة من أصحابه رضوان الله عليهم إلى محلة يهود بني النضير ، وكان بينه وبينهم عهد عند مقدمه إلى المدينة ، فتظاهروا باستقباله والترحاب به وهم يبيتون لقتله حيث أمروا عمرو بن جحاش بإلقاء صخرة عليه من فوق جدار كان يجلس إليه ، فأوحى إليه الله عز وجل بما كانوا يريدونه ، فانصرف عنهم إلى المدينة وأمر بالاستعداد لحربهم وقد خانوا العهد الذي كان بينه وبينهم خصوصا وأن شاعرهم كعب بن الأشرف كان قد أقذع في هجائه، فأمر بقتله ، فضلاعما كان بينهم وبين كفار قريش و منافقي المدينة من تحالف للتآمر عليه ، فنبذ صلى الله عليه وسلم عهدهم إليهم، وحاصرهم في محلتهم ستا وعشرين ليلة ، وأمرهم بالرحيل عنها إلا أن المنافقين حرضوهم على عدم الخروج ،ووعدوهم وعدا كاذبا بنصرتهم والقتال إلى جانبهم ولمّا يوفوا بوعدهم، فقذف الله عز وجل الرعب في قلوبهم، ولم يجدوا مفرا من الجلاء عن محلتهم وقد أمنهم صلى الله عليه وسلم على نفوسهم ، وسمح لهم بحمل ما تحملهم إبلهم من أموال وأمتعتة باستثناء الأسلحة ، وقد بلغ بهم الأمر حد تخريب بيوتهم بنزع أخشابها وحملها أيضا حتى لا تقع في أيدي المسلمين . أما ما وقع من إحراق بعض نخلهم ،فلم يتجاوز ست نخلات ، وذلك للضغط عليهما للاستسلام كما تذكر الروايات، وقد كف المسلمون عن قطع باقي النخل والذي صار بعد حشرهم فيئا خص به الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ووزعه على للمهاجرين مع ثلاثة من فقراء الأنصار .
هذه هي أسباب نزول سورة الحشر التي زعم عصيد أنها فيها انتقام وكراهية ، وأنه لا يجب أن تدرس للمتعلمين ، وادعى أنه واسع الاطلاع عليها . فأين الحقيقة مما زعمه وادعاه ؟ وما برمجت دراسة هذه السورة إلا لبيان حال من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المرسل رحمة للعالمين ،وهي حال حرب . فلو أن غيره كان قد تصرف يهود بني النضير معه كما تصرفوا معه صلى الله عليه وسلم لكان له شأن آخر معهم وهم الذين نبذوا عهدهم معه وبيتوا لقتله ، وتآمروا مع المشركين والكفار لمحاربته ،ولكنه عليه السلام نفذ أمر الله عز وجل الذي أوحاه إليه ولم يقض فيهم بهوى بل بوحي وكان تصرفه معهم في غاية الرحمة والتسامح حين أعطاهم الأمان للخروج من محلتهم مع حمل ما أرادوا من أموال وأمتعة، وقد كان بإمكانه أن بعمل فيهم السيف، ويسلب ما عندهم لو كان الأمر يتعلق بانتقام وكراهية كما زعم عصيد وقد قصر فهمه عن إدراك قيمة التسامح الحقيقي في سورة الحشر . ولقد تضمن التاريخ البشري قصصا تروى أحداثا مروعة عما كان يعمله الملوك والحكام من تقتيل وسبي واغتصاب حين يحاصرون أعداءهم أو من يغزونهم ، ولا يوجد في التاريخ البشري سلوك حضاري كسلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوم نبذوا عهدهم معه ، وهجوه ، وبيتوا لقتله ، وتحالفوا مع أعدائه لمحاربته.
وإذا قارنا ما قام به الصهاينة من حصار ضرب ظلما وعدوانا على الفلسطينيين ،وما أمطروهم به من قنابل دمرت العمران و وقتلت الإنسان في قطاع غزة وفي عموم أرض فلسطين مع موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم منة يهود بني قريضة لتبين تهافت ما زعمه عصيد العلماني ، وما افتراه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بهتان. و لو قارنا أياض ما قامت به جيوش العلمانية الغربية التي يسبح عصيد بحمدها في أفغانستان والعراق من تقتيل وتدمير ونهب وسلب مع ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني النضير لتبين الفرق الشاسع بين تحضره عليه السلام وهمجية العلمانية الغربية التي تدعي القيم الإنسانية وهي في عدوانها على المسلمين في غاية ومنتهى الوحشية.
وهكذا يتبين أن الذين قرروا تدريس سورة الحشر كانوا خلاف ما اتهمهم به عصيد من جهل بالبيداغوجيا والتربية كما زعم لأنهم أرادوا بيان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ناصبوه العداء ، وكادوا له كل كيد ، وبيتوا لتصفيته جسديا ، ومع ذلك لم يعاملهم بالمثل ولو شاء لفعل ، ولكنه مكنهم من الجلاء آمنين وحاملين ما شاءوا من أموالهم وأمتعنهم .
ومع هذا وذاك كان على عصيد لو كان كما يظن بنفسه الفطنة والفهم والعلم غرورا وادعاء أن يقر بأن الأمر يتعلق بتوجيهات ربانية أوحاها الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنها لم تكن هوى من الأهواء البشرية ، وقد شهد الوحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ، فكيف بمن لا ينطق عن الهوى أن تصدر عنه أفعال من وحي الهوى ؟
وواضح أن الدافع وراء تقوّل عصيد على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم هو مسايرة هواه العلماني الذي يضمر الحقد والكراهية لدين الإسلام لهوى الصهاينة المحتلين الذين اشترطوا في عملية سلام وهمية كاذبة على الأنظمة العربية سحب ما يسمونه معاداة للسامية وكراهية لليهود من المقررات الدراسية ، علما بأن مقرراتهم الدراسية طافحة بكراهية الإسلام والمسلمين ، وهم من يلقنون لأطفالهم تلك الكراهية ، ويحرضونهم على قتل المسلمين زاعمين أنذلك واجب ديني في عقيدتهم المنحرفة ، وتشهد على ذلك فيديوهات كشف أحدها كيف يسأل أطفالهم الصغار والمراهقين عما يمكن أن يفعلوه بأعدائهم بلعرب والمسلمين إذا صاروا جنودا في جيش الاحتلال ؟ و تأتي إجاباتهم مؤكدة مدى ما يلقن لهم من كراهية ورغبة في الانتقام .
إن هوى عصيد العلماني الأعمى ، وجهله الفظيع بكتاب الله عز وجل أعميا بصيرته وأ ضلاه ضلالا بعيدا ، وجعلاه موضوع سخرية وتندر لدى الرأي العام الوطني الذي يتبادل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يفوه به لا لأهمية ما يقول بل لتفاهته ،وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، ويزداد تماديا في الإساءة إلى الإسلام وإلى كل ما ومن يمت إليه بصلة لأنه يحلم بإحلال مجتمع علماني محل مجتمع أراد له الله عز وجل أن يكون مسلما وإرادته سبحانه نافذة لا راد ولا مانع لها .
ونأمل أن يعود عصيد إلى رشده قبل فوات الأوان وقد بدأت الشيخوخة تنال منه منذرة بقرب الرحيل عن دار الفناء إلى دار البقاء حيث المساءلة والمحاسبة والجزاء الأوفى ،وقد خاب من حمل يومئذ ظلما .
وسوم: العدد 843