من يهن يسهل الهوان عليه وشر الهوان هوان ظالم مستبد
رحم الله عز وجل الشاعر الحكيم المتنبي القائل في بيته الشعري الشهير :
هذا قول شاعر خبير بطباع البشر ، والهوان وهو سلوك طارىء على طبع الإنسان الذي خلقه الله عز وجل مكرما ، وجعل كرامته تأبى عليه أن يذل أو يهان . ومعلوم أن الذين يهون عليهم أنفسهم يكونون هم سبب إهانة ذواتهم قبل أن يهونون على غيرهم.
وإذا كان عادة ما يلحق الهوان بضعاف الخلق ،لأن من دلالاته الضعف الذي يعرض هؤلاء للمذلة عند غيرهم ، فإن هوان الأقوياء المستبدين يزيدهم ضعة وخسة .
ومن صور هوان المستبدين هو ما حصل اليوم مع متزعم الانقلاب العسكري الدموي في مصر حين سقط قناعه وانكشف ذعره من ثورة الشعب المصري، فأعطى أوامره الجبانة للجيش والشرطة لمنع مظاهرة مليونية كان من المقرر أن تنظم ، وينادي من خلالها الشعب المصري المقهور بسقوط الانقلابي المستبد .
ولقد عرض هذا الطاغية نفسه لسخرية لا مثيل لها حين شل حركات النقل العمومي المتخلفة وسد كل المنافذ والطرق إلى الساحات التي كان من المقرر أن يتجمع فيها المتظاهرون الغاضبون الساخطون والمنددون به وبسياسته المستبدة والدموية ، كما أنه ألغى مقابلات في كرة القدم تحاشيا لتجمع الجماهير وخوفا من أن تصير الملاعب أماكن احتجاج ... إلى غير ذلك من الإجراءات التعسفية التي جعلته أضحوكة أمام الرأي العام الدولي ، وأمام الرأي العام المصري والعربي .
و معلوم أن فرض السيسي سياسة القبضة الحديدية على التظاهر السلمي وهو حق من حقوق الشعب المصري ككل شعوب المعمور يعكس مدى هوان نفسه عليه إذ لو كانت له نفس ذات كرامة وعزة لما رضي لنفسه أن يكون له رد فعل جبان وبهذا القدر من الخزي والعار ، ولما اكترث بتظاهرة سلمية وهو جندي يا حسرتاه ، وكان من المفروض أن تكون الجندية قد علمته الشجاعة عوض أن ينال منع الرعب كل هذا المبلغ فيعطل سير الحياة اليومية في العاصمة المصرية مخافة أن ترتفع أصوات مليونية تنادي برحيله وسقوطه ، وقد تبين أنه يسير بمصر نجو الهلاك المحقق .
ويشارك السيسي في هوانه ، ورعبه من تظاهرة شعبية تنادي بسقوطه كل فرد من أفراد قوى الجيش والأمن ، وبعض هؤلاء دون تعميم لا ضمير لهم ، ولا حس وطني ، وكل ما يعنيهم هو الحصول على مرتبات يدنسها الهوان والذل والخسة.
ولقد أثبت الشعب المصري بانتفاضته هذه أنه لا زال نابضا بالحياة ، وأنه لم يفقد كرامته وعزته ، وقد بلغ رسالته الواضحة للحاكم المستبد أن ارحل مذموما ، وأن هذه اللحظة في مصر هي بداية العد العكسي لسقوط طاغية عسكري مستبد وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري دموي على الشرعية والديمقراطية وبمسرحية هزلية انتخابية مثيرة للسخرية .
ولو كان لدى السيسي مثقال ذرة من ذكاء لرحل اليوم قبل غد ، وقد خلا أمثاله من المستبدين إذ رحلوا خزايا ، وفي منتهى الذلة والهوان أمام أنظارشعوبهم ، ولكنه وقد هان الهوان عليه فضل الغوص في وحل الذلة من أخمص قدمه إلى قنة رأسه ليزداد خزيا وعارا إلى حين ينتهي إلى مزبلة التاريخ .
وأخيرا عاش الشعب المصري البطل، وبوركت ثورته، وزاده المولى جل وعلا صمودا وعزة وشموخا ، ونهمس له همسة الشاعر :
وسوم: العدد 844