الآدميّة أنواع ، تتشكّل بحسب فهوم الناس ، ومن أهمّها الفهم( القُرباطي ) !

في صراع الإرادات ، تكون النتيجة المطلوبة واحدة ، مهما اختلفت أساليب السعي إليها ، وهي: كسر إرادة الخصم .. أو السيطرة عليه .. أو إجباره على تنفيذ مايُطلب منه .. على اختلاف المصطلحات ، بهذا الشأن !

من أنواع الآدمية:  

الآدميّة القُرباطية : رأى ابنُ أحد الملوك فتاة ، فأعجبته ، فطلب من أبيه ، أن يخطبها له ! وحين أخبر أباه بمكانها ، وأرسل الأب من يسأل ، عنها وعن أهلها ، عرف أنها ابنة ، لأحد النَوَر، أو (القرباط) ، كما يُسمَّون في بعض المناطق ! فنهى ابنه عنها ، لكن الشابّ أصرّ، على أن يتزوّجها ، لأن قلبه قد تعلّق بها ، وهامَ بها حبّاً ! فأرسل الملكُ ، رئيسَ وزرائه ، ليخطبها من أبيها ، فاصطحب معه وفداً ، من عِلية القوم ، وذهب إلى بيت أهلها ، فأجلسوهم على حصيرة بالية ! وبدأ رئيس الوزراء يتودّد ، إلى والد الفتاة ، بكلام لطيف مهذّب ، قائلاً : إنّ جلالة الملك ، يودّ أن يَعقد معكم أواصر قربَى ؛ بتزويج ابنه الكريم ، وليّ العهد ، من ابنتكم ذات الصون والعفاف .. فما رأي سيادتكم بالأمر؟ ثمّ كرّر العبارات اللطيفة ، المهذّبة الأنيقة، والرجل مشغول عنه ، بصناعة بَرذَعَة يخيطها ! وأخيراً التفت إليه قائلاً : أأنت تتحدّث معي؟ فقال رئيس الوزراء : أجل ، أطلب من سيادتك الموافقة ، على تزويج ابنتك ، ابنَ الملك ، وليّ عهده الأمين ، فهل أنت موافق ؟ فقال الرجل ، بأنفة وشموخ : لا ، لست موافقاً ! وحين كرّر رئيس الوزراء الطلبَ ، بصيغة الرجاء ، قال القرباطي ، بلهجة حادّة جازمة : قلت لك ، لا ، لا أعطي ابنتي ، لابن الملك ! وحين عاد رئيس الوزراء خائباً ، وأخبر الملك ، الذي أبدى ألمه وانزعاجه ، قال أحد الوزراء : سيّدي ، أرسلني إليه ، فتردّد الملك ، ثمّ وافق ! فذهب الوزير، ووقف على بعد أمتار، من خيمة القرباطي ، وصاح به ، بصوت قويّ ، طالباً منه المجيء إليه، فأسرع القرباطي ، وجثا على ركبتيه ، أمام الوزير، قائلاً : أمرك سيّدي ، بمَ تأمرني ؟ فقال الوزير، بلهجة آمرة : جلالة الملك ، يطلب ابنتك ، لابنه وليّ العهد ، فأرسلها إليه فوراً ، وإلاّ سيكون مصيرك سيّئاً، يانذل ، ياحقير! فقال القرباطي ، بذلّة وخنوع : أمرك سيّدي ، في الحال! وسأله الوزير: لمَ جاءك رئيس الوزراء ، فرددته خائباً؟ قال القرباطي : سيّدي ، لم يتكلّم بالآدميّة، مِثلك!

هذه هي الآدميّة ، عند القرباطي ! أمّا المصطلحات الأُخرى ، مثل : العقلانية ، واللطف، والديبلوماسية ، والحكمة .. فلا يفهمها القرباطي ، وليست في قاموسه !

فهل هناك أمثال له ، ونظراء، بين الناس ، من حكّام ومحكومين ؟ ربّما ، وإلاّ :

فما الفرق ، بين هذا القرباطي ، وذلك الحاكم ، الذي استبدّ بحكم بلاده ، عشرات السنين ، لايدع أحداً يتنفّس ، بطريقة مخالفة له ، ثمّ حين انتفض شعبه ، ضدّه ، وقف قائلاً : الآن فهمتُكم! لكنه فهمَ ، بعد فوات الأوان !

وما الفرق ، بين هذا القرباطي ، وبين ذلك الحاكم ، الذي أذاق شعبَه ، مرارات القمع والتنكيل، عبر عشرات السنين ، ووصفَ ملايين شعبه ، الذين تحرّكوا ضدّه ، بأنهم جرذان ! ثمّ ، حين وجدَه بعضُ أبناء الشعب، في مكان تأوي إليه الجرذان، توسّل إليهم ، قائلاً: لاتقتلوني يا أولادي!

وما الفرق، في النتيجة ، بين أمثال هذا الحاكم وذاك ، ممّن يسيرون على طريقهما، في معاملة الشعوب.. وبين ذلك القُرباطي !؟

فسبحان مَن يُؤتي المُلك من يشاء ، ويَنزع المُلك ممّن يشاء ، ويُعزّ مَن يشاء ، ويُذلّ من يشاء.. ويُؤتي الحكمةَ مَن يشاء !

وسوم: العدد 845