ثورة الكرامة وسقوط المشروع الإيراني في المنطقة
لا بد من إلقاء نظرة فاحصة على المشروع الإيراني في المنطقة وتبيان أسسه التي قام عليها. فمنذ انطلاق الثورة والنظام الإيراني يسعى لتجنيد كافة أتباع المذهب الشيعي في العالم العربي والإسلامي لخدمة النظام الحاكم في طهران، كما هي طريقة الكيان الصهيوني الذي يعتبر إسرائيل هي أرض الميعاد لكل يهودي في العالم، وبالتالي فعليه خدمتها وحماية استقرارها. ولهذا فقد وضع النظام الإيراني أسسًا استراتيجية لحكم المنطقة والهيمنة عليها أمنياً لتسهل سيطرته عليها سياسياً واقتصادياً...
لقد عمل النظام الإيراني منذ الأيام الأولى على تصدير الثورة، انطلاقا من نظرية أعجمية استعماريّة سرطانيّة خفيّة، تسمّى لديهم نظرية: "أم القرى"، والتي كثيرًا ما يشير إليها خامنئي وغيره من القيادات الإيرانية في خطبهم. وكانت هي أساس عمل إيران في العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى أقل تقدير بالنسبة لعمل وزارة الخارجية، وكذلك الدفاع والإعلام، والحرس الثوري، وما تسمى "تبليغات إسلامي" المعنية بالتبشير الصفوي، فرع "برون مرز" المعني بالعالم العربي بشكل خاص.
وكان نصيب العراق أن يكون أول دولة تصطدم بها إيران لتصدير ثورتها المزعومة! أو مشروعها التوسعي باسم الدين لإعادة أحلام إيران الصفوية وفق نظريتهم الخائبة، وبعد حرب طاحنة اعترفوا بفشل المرحلة الأولى من مشروعهم الصفوي وتجرّعوا الخيبة والندامة، لكنهم لم ينتهوا بل استمروا في تآمرهم على المجتمع العراقي من خلال إثارة النعرات الطائفية بين الشعب العربي الواحد من شماله إلى جنوبه، وتحينوا الفرصة السانحة لإفراغ كامل غلّهم وجامّ حقدهم على العراق وأهله، حتى تآمروا مع المتحل الأمريكي وقدموا له كل التسهيلات المطلوبة لاحتلال العراق، وكان "التخادم" فيما بينهم لتقاسم الكعكة العراقية ظنًا منهم أن لديهم قاعدة شعبيّة عريضة وولاؤها مطلق لإيران!
عقب التدخل ألأمريكي تمّ إلغاء مؤسسات الدولة العسكرية بشكل كامل، فسارعت إيران إلى تكوين مليشيات عسكرية من رحم الطائفة، لتكريس جهودها في الدفع بالموالين لها إلى سدّة الحكم في بغداد! وللأسف نجحت في مهمتها تحت أنظار أمريكا وبمباركتها وذلك لإحكام السيطرة على العراق!!!
فبعدما دحر العراق مشروعهم الصفوي في حرب الخليج الأولى (القادسية الثانية كما أطلق عليها)، باستخدامه القوّة المفرطة في مواجهة ما يسمى بتصدير الثورة المزعومة، استخدمت إيران استراتيجية جديدة في تصدير ثورتها المزعومة، وذلك من خلال إنشاء دولة داخل الدولة الرسمية، ومن خلال التمدّد الناعم باسم المذهب في إنشاء أذرع لها (ميلشيات) في لبنان، والعراق، واليمن، وسوريا... فحزب الله في لبنان مثلا يسيطر على كل مقاليد البلاد في لبنان، صادر القرار السياسي فيها والأمني كذلك حتى صار المتحكمّ الرئيس في لبنان، وتجربة لبنان نفسها نُقلت إلى العراق من خلال الأحزاب الدينية هناك حتى باتت تتحكم في المشهد العراقي بشكل كامل، وكذا الحال في اليمن أيضًا، على غرار الحرس الثوري في إيران.
لقد حاولت إيران بكل ما أوتيت من دهاء ومكر وخبث ومن خلال عملائها المأجورين في السلطة، وكثير من المعممين تسويق خرافاتها بأن الشعب العراقي المؤمن صابر وساعٍ لحماية التشيّع والدفاع عنه، فقامت بإدخال طقوس وممارسات لا تمتّ إلى الدين بصلةٍ، فقد مارسوا أبشع أشكال الاضطهاد والتعسف ضدّ أبناء جلدتهم كما سيطروا على كلّ الأماكن المقدّسة في النجف، وكربلاء، ظنًا منهم أنهم قادرون على إخضاع الشعب العراقي، ويصيروه تابعًا ذليلا! ونسوا بل تناسوا أنّ هذا الشعب هو الذي أذاقهم الذلّ والهوان وجرّعهم السمّ الزعاف خلال سنوات الحرب الثمانية.
نعم لقد جاؤوا من أجل الانتقام، ولكن تحت ذريعة "حب أهل البيت"! ونتيجة لذلك تحمّل الشعب العراقي كل أنواع القهر والاستبداد والظلم والتجهيل والاستخفاف بحقوقه من قبل الخونة الذين باعوا ضمائرهم وشرفهم من أجل إيران!
جاءت التظاهرات الشعبية الضخمة في العراق، ولبنان ضدّ نفوذ تلك العصابات السياسية المأجورة والموالية لخامنئي والتي تلاعبت بمقدرات الدولتين كإعلان شعبي عربي عن سقوط المشروع الإيراني في المنطقة بعد سنوات من توهّم نظام طهران أنه نجح في تحقيق نظرية «الهلال الصفوي» على أرض الواقع، وابتلع هاتين الدولتين إلى الأبد.
انطلقت التظاهرات من جنوب العراق والفرات الأوسط (كربلاء، والنجف، والبصرة، والناصرية، والعمارة، والقادسية، وبغداد ...) كلها ترفض الوجود والإيراني!!! فمزقت صور خميني، وخامنئي وكل رموز إيران؛ تعبيرًا عن رفضها للتدخل الإيراني، كما أحرقت مقرّات الأحزاب التابعة لإيران.
إن ّمصطلح «الهلال الصفوي» كما يعرفه الجميع مصطلح سياسي لا علاقة له بالمذهب الشيعي، وإنما ترفعه إيران للتغطية على أطماعها التوسعية، والتعبير عن طموحها في ابتلاع العراق، وسوريا، ولبنان لتوجد لنفسها منفذاً على البحر المتوسط ولكن خاب ظنها وخابت مساعيها.
إنّ بقاء هؤلاء القتلة الفاسدين يعني بقاء المحاصصة الطائفية، وبقاء الفساد مستشريًا في مفاصل الدولة، وبقاء الطائفية فكرًا وعنوانًا لحكم العراق، وبقاء التمييز العنصري والطائفي ينخر في جسد الشعب، وبقاء واستمرار الفقر والتهميش والاقصاء وكبت الحريات يخيّم على نفوس الناس، وبقاء الإلاف المؤلفة من الأبرياء في السجون.
فالثورة جاءت للقضاء على كل هذه الممارسات الباطلة! فإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة على مقاسات الأحزاب الطائفية العميلة يعني أن كلّ شيء منذ الاحتلال عام 2003 وحتى يومنا الحاضر سيبقى على وضعه متحديًا الشعب، وبالتالي تستمرّ المأساة والمهزلة، ويستمر التجهيل والاستخفاف بحقوق الشعب المشروعة!!
من أهم أهداف الثورة؛ طرد الأحزاب الطائفية المأجورة التي قادت البلاد والعباد إلى كل هذا الدمار والخراب والفتن، قامت الثورة لعودة العراق إلى أهله حرًا أبيا، فشعارات المتظاهرين واضحة (إيران برا برا، بغداد تبقى حرة) كما هتف أبناء العراق ضدّ عملاء إيران ومنها: "لا مقتدى ولا هادي، تبقى عزيزة بلادي".
لقد صدمت إيران وصعقت من موقف الشعب الرافض لها، وباتت في هستيريا وحيرة، لا تعلم ماذا تفعل؟! فوجّهت كلابها من الخونة المأجورين للتصدي للثورة بكل وحشية مستخدمة كل أنواع الأسلحة، حتى بلغ عدد الضحايا في ثورة تشرين 320شهيدًا، وأعداد الجرحى تزيد على 13 ألف جريح!!!
إن دماء الشهداء إذ تسيل ترسم طريق الأحرار وتحدد لهم المسار في تحرير العراق من التسلّط الصفوي.
فالثورة مستمرّة حتى تقلع آخر جذر إيراني من أرض العراق الطاهرة، ولن تكتفي بمجرّد إزالة الخونة من السلطة بل من كلّ العراق، وستعمل على محاكمتهم على كل جريمة ارتكبتموها بحق الشعب!
مبارك للعراق وللشعب العراقي الحرّ الأبي نجاح ثورته المجيدة، معلنةً سقوط المشروع الإيراني (المشروع الطائفي) في العراق بخاصة، وفي المنطقة بعامة، والثائرون متشبثون بحقهم، ثابتون على مطالبهم، والخونة لا مكان لهم في العراق ولا في غيره إطلاقا.
نعم سقط المشروع الإيراني فوق الأرض العراقية الحرّة، وسيسقط في لبنان، واليمن ان شاء الله قريبا، وإنّ غدًا لناظره قريب.
وسوم: العدد 850