أخفّ الضررين .. أهوَنُ الشرّين : حين يتحوّل خيراً ، يقابل شرّاً !
إنه مطلب العقلاء ، جميعاً ، منذ وُجد الإنسان ، على وجه الأرض : أخفّ الضررين..أهون الشرّين !
هو مطلب الأفراد العقلاء ، جميعاً ، في رحلة كلّ منهم ، في الحياة ، باحثاً عن البدائل !
هو مطلب التاجر والسياسي .. والعالم وطالب العلم .. والموظف ، في شتّى مواقعه .. والعامل في سائر انشطته !
علماء المسلمين أصّلوه ، في قواعد مُحكمة ؛ فكلّ قرار مهمّ ، أو موقف ذي بال ، تبرز الموازنات ، لدى صانع القرار، أو صاحب الموقف !
الموازنة بين الخير والشرّ، واختيار الخير ، كما يراه صاحبه !
والموازنة بين الضررين ، الأخفّ والأشدّ ، واختيار الأخفّ ، كما يراه صاحبه !
والموازنة بين الشرّين ، واختيار الأهوَن ، منهما !
والموازنة بين المَفسدتين ، واختيار أصغرهما : دفعُ المَفسدة الكبرى ، بقبول المفسدة الصغرى !
والموازنة بين المصالح ، وترك المصلحة الصغرى ، لتحصيل المصلحة الكبرى !
والموازنة بين المصالح والمفاسد ، وتقديم درء المفسدة ، على جلب المصلحة !
رُوي ، عن عمرو بن العاص ، قوله : ليس العاقلُ مَن يَعرف الخيرَ، من الشرّ ، إنّما العاقل ، هو مَن يعرف خيرَ الشرّين ، أيْ : أقلّهما سوءاً !
إنها رحلة البحث الإنساني ، عن البدائل : الصالح والأصلح ، واختيارالأصلح .. والفاسد والأفسد ، واختيار الفاسد ، لدفع الأفسد !
الخطر الكبير:
الخطر الكبير،على صانعي القرار، من الساسة والعلماء ، وقادة الدول والشعوب ، والقبائل والأحزاب ، والمجتمعات البشرية ، عامّة .. هو استمراء الشرّ الأخفّ ، بعد اختياره ، والدفاعُ عنه ، بصفته خيراً ، ثمّ الدفاعُ ، عن كل تفصيل من تفصيلاته ، والثناءُ على كلّ صغيرة من صغائره ، وكلّ كبيرة من كبائره ! وبمعنى آخر: الانحياز التامّ له ، نسياناً ، أو تناسياً ، أنه شرّ اختاره صاحبه ، اختياراً مؤقتاً ، لدفع شرّ أكبر ..!
ليس الكلام ، هنا ، عن المنافقين والمتسلقين ، والانتهازيين والمتقلبين ، والمتنقّلين في مواقفهم، من موقف إلى آخر، والقافزين من غصن إلى غصن .. فهؤلاء أمرهم معروف ، لدى كلّ عاقل بصير .. الكلام ، هنا ، هو عن العلماء ، الذين يَنظر إليهم الناس ، نظرة تقدير واحترام .. وعن الساسة ، الذين يظنّ بهم الناس خيراً !
نموذج ، يعبّر عن نمط ، واسع الانتشار، في الأمّة الإسلامية :
أحد العلماء الكبار، نظرَ في أمرين، يراهما شرّين ، فاختار مايراه شرّا أهوَن ، وضرراً أخفّ،
ثمّ انساق ، يهاجم الشرّ، الذي رآه أكبر، من بين الشرّين ، ويدافع ، باستماتة ، عن الشرّ، الذي ظنّه أهون الشرّين ! ثمّ اجتمعت ، لديه ، عناصر، عدّة ، من الترغيب ، الذي قدّمه صاحب الشر الأخفّ ، ومن الترهيب ، الذي مارسه صاحب الشرّ ، نفسه ، فتحوّل الترغيب ، لديه ، خيراً لنفسه ، بعدما رأى الأمر شرّاً محيطاً بالأمة ، متناسياً، عن عمد، المصلحة العامّة العليا، التي ندب نفسه ، للدفاع عنها !
وبعدما غرق ، في بحبوحة الترغيب ، أو استُدرج إليها ، وظلّ شبح الترهيب ، يراقبه من بعيد.. بعد هذا ، صار جندياً مطيعاً ، لصاحب الشرّ الأخفّ ، وصار يدافع ، عن كلّ موقف له ، وكلّ قرار، حتى بعد أن تبيّن للناس ، جميعاً ، أن صاحب الشرّ الأخفّ ، هذا ، هو أخطر عليه ، وعلى أمّته ، من سائر الشياطين ، التي عرفها ، أو سمع بها ! لكن ، ماذا يفعل ، بعد أن استزلّه الشيطان ، واستدرجه ، حتى صار من جنوده المخلصين !؟
لقد كَتب ، عن خصوم صاحب الشرّ الأخفّ ، كتابات ، يأنف أبسط عاقل ، في الدنيا ، أن يكتبها.. وخطب في المساجد ، وعلى رؤوس الاشهاد ، خطباً ، في تأييد صاحب الشرّالأخفّ، والضرر الأهون ، خطباً ، يخجل منها ، مَن لديه ذرّة حياء ، من المنافقين ، الحاطبين ، في حبل صاحب الشرّ الاخفّ والضرر الأهوَن ، مع أنهم يرون صاحب الشرّ الأخفّ والضرر الأهون ، خيراً محضاً ، لكن العقلاء منهم ، يحفظون خط الرجعة ، ويحسبون حسابات ، بينهم وبين أنفسهم ، لما هو معقول ، وما هو غير معقول ، ولو كان تزلفاً ونفاقاً !
فما الذي يمكن قوله ، عن هذا العالم ، غير ماقاله عنه ربّ العالمين :
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
وسوم: العدد 852