عن التظاهرات في لبنان والعراق : صوت الشعب اقوى من كل شيء
كشفت التظاهرات الشعبية التي شهدها العراق قبل ثلاثة اسابيع وقد تعود في الايام القليلة المقبلة، والتي يشهدها لبنان منذ حوالي الاسبوع وهي مستمرة في معظم المناطق اللبنانية، اننا امام مشهد سياسي جديد في هذين البلدين اللذين يعانيان من انقسامات طائفية ومذهبية ومناطقية وحزبية كبيرة.
فلاول مرة منذ سقوط صدام حسين والاحتلال الاميركي للعراق ، نشهد في هذا البلد تظاهرات شعبية بعيدا عن القوى السياسية والحزبية والانقسامات الطائفية، مع ان بعض القوى حاولت وتحاول الدخول على خط التحركات الشعبية، وكان العنوان الاساسي للتحركات الشعبية الهموم الاجتماعية والاقتصادية ومطالب الشباب من البطالة والتوظيف وتحسين المعيشة، صحيح ان البعض حاول اعطاء هذه التظاهرات ابعادا سياسية وانها موجهة لجهات داخلية او اقليمية وانها جزء من الصراع على مستقبل العراق ودوره في المنطقة، لكن ذلك لا ينفي ان العنوان الاساسي لمعظم هذه التحركات كانت الهموم المعيشية، وانه لاول مرة لم يكن هناك جهات سياسية وحزبية تقف وراء التظاهرات وان مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا اساسيا في تحريك الشارع، وان كان لاحقا دخلت بعض الاطراف السياسية والحزبية الداخلية او بعض الجهات الخارجية على خط التحركات لاستثمارها والاستفادة منها في الصراع على السلطة او في اطار الصراع الاقليمي والدولي على مستقبل العراق.
واما في لبنان فقد كانت الصورة اكثر وضوحا وحيوية، فلاول مرة منذ سنوات طويلة يخرج الشعب اللبناني الى الشوارع والساحات احتجاحا على اداء الحكم والحكومة والمجلس النيابي وكل السلطات السياسية والمالية ، بدون ان تكون هناك جهات حزبية او سياسية اومؤسسات من المجتمع المدني تقف وراء هذا الحراك الشعبي الكبير، وكانت الشرارة الاولى للتظاهرات وضع رسوم على استعمال تطبيق الواتساب، مما جعل بعض المراقبين يسمون ما جرى : ثورة الوتساب ، ورغم تراجع الحكومة عن تطبيق هذه الضريبة الجديدة واعلان ورقة اصلاحات شاملة، فقد تعاظم التحرك والتظاهرات وشملت معظم المناطق اللبنانية بعيدا عن القوى السياسية والحزبية، وان كان لاحقا دخلت بعض الجهات على الخط وحاولت استثمار التحركات والاستفادة منها في الصراعات الداخلية والخراجية.
وكان واضحا ان التحركات الشعبية في لبنان كانت بدون قيادة محددة وانها تمت بعفوية ، واستخدمت في الدعوة للتحركات وسائل التواصل الاجتماعي ، وان الاعتراضات توجهت ضد كل القوى السياسية والحزبية دون استثناء، وكان اللافت هذا الحراك الشعبي الكبير في مناطق الشمال والجنوب والبقاع والتي كانت محسوبة تاريخيا على جهات حزبية او طائفية معينة.
ولاول مرة يطغى العلم اللبناني والشعارات اللبنانية الموحدة على كل الاعلام الحزبية وكل الشعارات الطائفية والمذهبية، ورغم محاولة بعض الاطراف قمع الحراك او الدخول على خطه، فقد نجح الناس في الاستمرار ومواجهة كل اشكال القمع ، وكما في العراق ، فان صوت الشعب كان اقوى من كل الانقسامات المذهبية والطائفية والمناطقية، وفرض على الحكومتين في البلدين اتخاذ احراءات سريعة لمعالجة الازمة وتقديم بعض التنازلات للناس، لكن يبدو ان الازمة في البلدين اعمق من كل ذلك مما قد يفرض تغييرات شاملة على اسس النظام السياسي في البلدين.
لكن الخلاصة الاهم لما جرى في البلدين خلال الاسابيع والايام الماضية ، ومما قد يحصل في الايام المقبلة، اننا اصبحنا امام مشهد سياسي وشعبي جديد، وان الناس اصبحت قادرة على تجاوز انقساماتها الطائفية والمذهبية والحزبية، ومع ان لبنان والعراق هما من اكثر الدول تنوعا في المنطقة ومن اكثر الدول التي تعاني من الانقسامات المذهبية والطائفية والحزبية.
اذا نحن امام مشهد جديد وواقع سياسي جديد ، ومن خلال هذا التفاعل والتعاون بين الشعب ومواقع التواصل الاجتماعي والاعلام الجديد واضافة لوسائل الاعلام التقليدية وخصوصا محطات التلفزة، فانه لم يعد بالامكان قمع صوت الشعب وقهره وقمعه، وان الخيار الوحيد لمعالجة هذه الازمات الاستجابة لصوت الشعب والقيام بحلول شاملة للمشاكل ، والخيار الاكثر شمولية هو العودة لدولة المواطنة او الدولة المدنية والعادلة وهذا هو الطريق الاقصر لمعالجة الازمات في كل عالمنا العربي والاسلامي، وهاهي التجربة التونسية تقدم لنا الدليل تلو الدليل على ان خيار الديمقراطية الحقيقية والدولة المدنية هو الطريق الافضل للتعيير.
وسوم: العدد 853