حكمة القائد : حياة للأمّة ، وقدوةٌ لغيره .. قبل أن تكون مَفخرةً له !

لا أضَع سيفي ، حيث يكفيني سَوطي .. ولا أضع سَوطي ، حيث يكفيني لساني !

من كلام معاوية بن أبي سفيان !

وهو القائل : لو أن بيني وبين الناس شعرة ، لما انقطعت ؛ فإن شَدّوها ، أرخيتُها .. وإن أرخَوها شَددتُها !

 *

معاوية ، والأحنف بين قيس :

 دخل الأحنف ،على معاوية ، يوماً ، فقال له معاوية: أنت الشاهرعلينا سيفَك ، يوم صفّين!

 فقال له الأحنف : يا معاوية ، لا تَذكر ما مضى منّا، ولا تَردّ الأمور، على أدبارها؛ فان السيوف التي قاتلناك بها ، على عواتقنا ، والقلوب التي أبغضناك بها ، بين جوانحنا ! والله ، لا تَمدّ إلينا شبراً مِن غَدر ، إلاّ مدَدنا إليك ذراعاً من ختر..وان شئتَ لتستَصفيَنّ كَدَرَ قلوبنا ، بصَفوٍ من عَفوك ! فقال له معاوية : فإني أفعل، ثمّ استرضاه ، ومَن معه.

وحين خرج الأحنف ، سألت زوجة معاوية ، زوجها :

مَن هذا ، الذي كان يهدّد أمير المؤمنين ، في قصره ؟

فأجاب معاوية : هذا الذي ، إذا غضبَ ، غضبَ له مئةُ ألف سيف ، لايسألونه فيمَ غضب .. إنه الاحنف بن قيس !

 *

كان لعبد الله بن الزبير، مزرعة في المدينة ، مجاورة لمزرعة ، يملكها معاوية بن أبي سفيان، في دمشق ، وفي ذات يوم، دخل عمّال مزرعة معاوية، إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرّر منهم ذلك، في أيام سابقة! فغضب ابن الزبير، وكتب لمعاوية في دمشق ، وقد كان بينهما عداوة ، قائلاً ، في كتابه :

من عبدالله بن الزبير، إلى معاوية ( بن هند آكلةِ الأكباد ) ، أمّا بَعد: فإنّ عمّالك دخلوا إلى مزرعتي، فمُرهم بالخروج منها ، فوالذي لا إله إلاّ هو، ليكوننّ لي ، معك ، شأن !

فوصلت الرسالة لمعاوية، وقرأها، ثمّ قال ، لابنه يزيد: ما رأيك ، في ابن الزبير، أرسلَ لي يهدّدني ؟

فقال له ابنه يزيد: أرسلْ له جيشاً ، أوّله عنده ، وآخره عندك ، يأتيك برأسه !

فقال معاوية:"بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً ".

فكتب رسالة ، إلى عبدالله بن الزبير ، يقول فيها:

من معاوية بن أبي سفيان ، إلى عبدالله بن الزبير ( بن أسماء ذات النطاقَين ) ، أمّا بَعد: فوالله، لو كانت الدنيا بيني وبينك ، لسلّمتها إليك .. ولو كانت مزرعتي ، من المدينة إلى دمشق ، لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا، فخُذ مزرعتي، إلى مزرعتك، وعمّالي إلى عمّالك؛ فإنّ جنّة الله، عرضُها السمواتُ والأرض!

فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة ، بكى !

أين أخلاق الحكّام ، اليوم ، من هذه الحكمة ، وهذا التسامح ، وهذا الاحترام لأقدارالرجال !؟

وسوم: العدد 853