السيسي يوجّه قادة العالم في قضايا الحرية والتعبير!
(وكم ذا بمصر من المضحكات!) ( أبو الطيب المتنبي)
دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قادة العالم للاستماع لشبابهم ومشاركتهم أفكارهم وإعطائهم الفرصة للتعبير، لأن «الشباب شركاء الحاضر ونبراس المستقبل وطاقة التنمية»، كما طلب منهم «فتح أبواب الثقة» للشباب، وجعلهم «سباقين لا تابعين»، وكذلك إعطاءهم «مفاتيح القيادة»، وقد تحدث قبلها مخاطبا المحافظين والوزراء كي يعطوا الفرصة للجيل الجديد من الشباب و«اللي عايز يزاحمني يزاحمني… أنا كده كده هسيب مكاني»!
جاءت هذه الحكم والنصائح في الإدارة والسياسة وهذا الدفاع الظريف عن حقوق الإنسان والتعبير ومداولة السلطة وهذه الأريحية في فكرة التنازل عن السلطة في كلمة السيسي الختامية في «منتدى شباب العالم» وكانت ختاما لمجموعة من المشاهد الساخرة الكثيرة التي قدّمها الرئيس المصري من قبيل استعراضه لفصاحته باللغة الإنكليزية التي يفترض أنه استخدمها خلال دراسته في كليتين عسكريتين بريطانية وأمريكية، وبحديثه عن الأسرار الخطيرة التي سيقولها لكونه يغلب الإنساني على الوظيفة (وهي ليست أسرارا بالمرة)، وبتقليله من شأن الانتقادات التي يتعرض لها كونها تجيء من دول غنية دخلها 20 تريليون دولار في السنة، وأنه لو امتلك هذا المبلغ فسيجعل من مصر «عروسة» الخ.
تنجز المؤتمرات العديدة التي تعقدها السلطات في مصر وظائف عديدة، فبعضها، كالقمة العربية الأوروبية الأولى التي عقدت في شرم الشيخ في شباط/فبراير الماضي كانت إنجازا سياسيا مهما لنظام السيسي فقد أعطته الشرعيّة العالمية المطلوبة للتغطية على سجلّ النظام البائس في القضايا الاقتصادية والسياسية، أما منتدى الشباب العالمي فهو عمليّة علاقات عامة كبرى تريد تسويق السيسي ونظامه ضمن فضاءات أوسع من فضاء الحكومات والأنظمة الغربية المشغولة التي جلّ ما يهمها حاليا قضايا الهجرة والإرهاب، وهما الملفّان اللذان يتاجر بهما السيسي أيضا، ليصل بذلك إلى الملفّ الكبير الذي يهمّه، وهو ملف القروض والشراكات الاقتصادية والعقود والهبات، وهو الملفّ الحقيقي الذي يشغل طبقة الحكام الجدد الذين يشكّل ضباط الجيش المصري عمودها الفقري.
تقوم المؤتمرات أيضا بالتخديم على صورة القائد الشعبوي الذي يتحدث في كل شيء ويكون نجم «الحفلة» و«عريس الزفّة» الذي تتوجّه كل الأنظار إليه، والذي يتدخّل في قضايا لا رابط بينها غير ضرورة أن يدلي برأيه، عن الطفل المتفوق، وقائدة الطائرة من دون ذراعين، وقضية الأكراد، ومسائل الانترنت والتجسس والمال والذكاء الاصطناعي وغيرها من قضايا.
غير أن أسوأ ما في تصريحات السيسي هو الغوغائية الكبيرة لرئيس يسخر من نفسه والآخرين بالحديث عن الحريات والسماح للشباب بمزاحمته على السلطة وهو يقود دولة ترهب وتعنّف وتعتقل أي شاب أو شابة (أو حتى طفل) يوجه انتقادا محدودا للحكومة وتعتقل الصحافيين والمدونين ويصدر برلمانها قوانين تقيد حرية التعبير وتحاكم آلاف المدنيين أمام محاكم عسكرية، ويرتكب جيشها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والعقاب الجماعي للسكان والإخفاء القسري للمعارضين والاعتقالات التعسفية والتعذيب وأحكام الإعدام المبرمجة، ولا يوفر عنفها وتمييزها النساء والفتيات واللاجئين.
وسوم: العدد 856