إذا كنت أختلف عنك أو أختلف معك فهذا لا يعني أني أكرهك
من التهم التي يوجهها التيار العلماني للخطباء والدعاة بمناسبة حلول السنة الميلادية أن خطبهم ومواعظهم تتضمن ما يسمونه خطاب الكراهية الذي يفضي إلى تبني فكرة العنف والإرهاب ضد غير المسلمين على حد زعمهم .
وهذا اتهام لا أساس له من الصحة بل هو سلاح ذو حدين بيد العلمانيين من جهة يستخدمونه لتصفية حساباتهم مع الخطباء والدعاة محاولين استعداء السلطة عموما عليهم ، والوزارة الوصية على الشأن الديني خصوصا ، ومن جهة أخرى يستخدمونه لإشاعة الفساد والعربدة بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة مسايرة لتوجههم العلماني الذي لا يحقق وجوده إلا بنقضه للتوجه الإسلامي بل يسود في اعتقاد العلمانيين أن علمانيتهم لا تتحقق وجودها إلا على حساب الإسلام بإقصائه واستئصاله . والعلمانية في حقيقتها توجه إقصائي واستئصالي خلاف الشعار الكاذب الذي يرفعه من يسوقونها بأنها مع حرية الاعتقاد . ولو كانت كذلك لما تشددت فرنسا وهي مهد العلمانية في لباس تلبسه المرأة المسلمة وهو جزء من اعتقادها وتدينها الذي يلزمها وتلتزم به، وليس مجرد لباس.
ومعلوم أن اختلاف إنسان عن غيره أو معه لا يعني بالضرورة أنه يكرهه ، ذلك أن الكره وهو البغض، يعني إثارة الاشمئزاز في النفس بسبب ما تستقبحه ، وهو نقيض الحب الذي يعني ارتياح النفس واطمئنانها إلى ما تستحسنه . والكره والحب تتحكم فيهما اختلاف الطباع والأمزجة والأذواق البشرية ، والدليل على ذلك أن الشيء الواحد يكون محبوبا عند البعض ومكروها عند آخرين ، وهذا لا يعني أنه يتضمن في ذاته ما يستدعي الحب والكره بل هذان يصدران عن الطباع والأمزجة والأذواق المسؤولة عن صنع المتناقضات والتي من بينها الحب والكره ، والتي بها يكون التوازن في الوجود ، وبها يعرف ويميز بعضها عن البعض الآخر وفق القاعدة المشهورة " بأضدادها تتميز الأشياء " ، فقد يلجأ أصحاب اللغة إلى تعريف كلمة بمرادف لها، فلا يجدون ما يشفي غلتهم فيلتمسون تعريفها بضدها ، ويحسن بذلك تعريفها ، ويكون أبلغ من تعريف مرادف لها.
ومعلوم أن الخطباء والدعاة مهمتهم هي توجيه الناس إلى ما به تستقيم عبادتهم ، وإذا ما لاحظوا انحرافهم عما به تكون هذه الاستقامة نبهوهم إلى ذلك . ولا يمكن أن تحمل هذه المهمة أو تفهم خطأ على أنها دعوة إلى كراهية أحد أو التحريض على تعنيفه كما يقول بذلك العلمانيون .
وإذا كان الناس في الدول الغربية يقترن عندهم العام الجديد بمناسبة ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، فإنه لا يمكن التمييز بسهولة بين من يستحضرون مناسبة مولد هذا النبي الكريم ، وبين من يحتفلون بحلول عام جديد . ومعلوم أن الدول الغربية تتخذ العلمانية عقيدة ومنهج حياة ، وفي نفس الوقت تعتمد الصليبية عقيدة دينية ، ويتجلى ذلك في وجود دولة الفاتكان الدينية ، ويلمس وجود التدين لدى الإنسان الغربي في حجم الاستقبال الذي يحظى به حبر الفاتكان الأعظم حيثما حل في بلاد الغرب أو البلاد التي تدين بالصليبية . وعلى العموم يجمع الغربيون غالبا بين العلمانية والصليبية دون أن يمثل ذلك بالنسبة إليهم تناقضا في ما يعتقدون وما يمارسون في حياتهم بل عندهم مرتبة وسطى بين التدين وعدمه حيث يصرح بعضهم أنه صليبي غير ممارس أي لا يمارس الطقوس الكنسية .
ويحذو العلمانيون عندنا حذو الغربيين، فيحاولون الجمع بين الاعتقاد الديني والممارسة العلمانية في حياتهم ، ولسان حالهم نحن مسلمون غير ممارسون للعبادات الإسلامية بل أغلبهم يرى أن تلك العبادات تشوش على الممارسة العلمانية للحياة، لهذا يطالبون برفع التحريم والتجريم عن بعض السلوكات التي هي من صميم الأفعال العلمانية .
وحين يحذر الخطباء والوعاظ الناس من تقليد الغربيين في احتفالاتهم خصوصا بمناسبة حلول العام الجديد الذي يتزامن مع مناسبة دينية خاصة بهم إنما يقومون بذلك في إطار التحذير من انحراف المسلمين عن تدينهم وسقوطهم في المحرم والممنوع عن طريق تقليد من لا يدينون بدينهم .
ومعلوم أن الغربيين في احفالاتهم تلك يعاقرون الخمر ، وهي محرمة في دين الإسلام ، فحين يقع المسلمون في تقليدهم يقعون في المحرم لا محالة . والله عز وجل نهى عن معاقرة الخمر بفعل الاجتناب الذي هو أقوى دلالة على التحريم من غيره ، ذلك أن الاجتناب هو احتراز بالابتعاد والتحاشي . ومن الاجتناب ألا يحضر الناس حفلا تكون فيه معاقرة الخمر .
وبناء على هذا إذا حذر الخطباء والوعاظ من اجتناب حفلات هذا حالها فلا يعقل أن توجه إليهم تهمة نشر الكراهية المفضية إلى العنف والإرهاب بل هي تذكير المسلمين بما لا يناسب تدينهم إذا ما انخرطوا في احتفالات من ليسوا على دينهم ، وهذا اختلاف عنهم واختلاف معهم لا يعني بالضرورة كراهيتهم .
ومعلوم أن أمم الأرض تختلف معتقداتها ففيها المسلم واليهودي والصليبي والمجوسي والوثني والعلماني الملحد ،وتختلف أساليب عيشهم أكلا وشربا ولباسا وسلوكا ، وذلك لا يقتضي الكراهية بينهم بسبب اختلافهم . ولا يمكن أن يتهم من يحذر أتباعه من تقليد ما في معتقد غير معتقدهم بأنه يدعو إلى كراهية أصحاب هذا المعتقد أو ذاك .
والإسلام يرفع شعار : (( لكم دينكم ولي دين )) ، ومن كان هذا شعاره لا يمكن أن يتهم خطابه بأنه خطاب كراهية حين يذكر الناس بدينهم الذي ليس هو دين غيرهم .ولقد خاطب الله عز وجل في محكم التنزيل الكافرين بصفتهم ، ولا يمكن أن يسمون بغير هذه التسمية أو ينعتون بغير هذا النعت ،لأنه ينطبق عليهم فهم يكفرون بالخالق سبحانه أو يشركون به ، والشرك كفر أيضا بل هو أقبح أنواع الكفر لقول الله تعالى : (( إن الشرك لظلم عظيم )) وقوله أيضا : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم )) وقوله كذلك : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد )) . فإذا ما استشهد خطيب أو واعظ بهذه الآيات من القرآن الكريم ،فلا يعقل أن يتهم بترويج خطاب الكراهية ضد الذين ينطبق عليهم الوصف الوارد فيها بل هو تعريف بهم كما عرفهم بذلك خالقهم . ومن المعلوم أن أولئك لهم أيضا رأي وقول في المسلمين الموحدين ويصفونهم بصفات ونعوت خاصة ، فلماذا لا يتهم هؤلاء بأنهم يروجون لخطاب الكراهية ضد المسلمين ؟
ونختم بالقول على الوزارة الوصية على الشأن الديني خصوصا ألا تساير أهواء العلمانيين في الخطباء والوعاظ، فتتصرف معهم تصرفا غير شرعي بالزجر أو بالعزل والتوقيف ، وهي المسؤولة الأولى عن تطبيق الشرع إذا ما قاموا بواجبهم في توجيه الناس نحو التدين الصحيح ، وتحذيرهم مما قد يؤثر في تدينهم التأثير السلبي حين يقعون في تقليد من لا يدينون بدينهم . كما أنه لا ينبغي لغير الوزارة الوصية على الشأن الديني أن تخضع أيضا لضغوط العلمانيين ، فتسمح للمحسوبين على الإسلام باحتفالات خاصة بغير المسلمين، الشيء يكون سببا في نقض إسلامهم . وعلى هذه الجهات المسؤولة أن تحمي الملة والدين في بلد إمارة المؤمنين الحامية لهما ، وأن تصون الهوية الإسلامية من كل ما من شأنه أن ينال منها بشكل أو بآخر عن قصد وسبق إصرار أو عن غير قصد .
وعلى الأمة المغربية المسلمة أن تصون هويتها الإسلامية من خلال تجنب ما يخدشها ، ومما يخدشها الوقوع في التقليد الأعمى لمن لا يدينون بدينها تحت شعار الانفتاح والتسامح ، ذلك أن هذا الأخير لا يحصل بالتقليد الأعمى لغير بل يكون بالمحافظة على الهوية مع احترام هوية الآخر . وليس من المحافظة على الهوية الإسلامية دخول جحر الضب المنتن ببوله وراء من يدخله ممن لا يدين بديننا.
وسوم: العدد 856