أسبابٌ أربعة وراءَ التصعيد الروسي على إدلب
في الحديث عن الأسباب التي حملت روسيا على التدخُّل العسكري في سورية، يرى عدد من المراقبين أنّ الأمر كان استجابة لطلب الحكومة السورية صيف 2015؛ لكبح جماح المعارضة المسلحة في السيطرة على مزيد من الجغرافية، فكان أن وافق مجلس الاتحاد الروسي " الدوما "، على تفويض الرئيس بوتين، باستخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد، عندما بدأ سلاح الجو الروسي عملياته في: 30/9/ 2015، بذريعة ضرب داعش.
غير أنّ هناك من المراقبين من يعزو الأمر إلى أسباب أخرى، لا تقلّ أهمية عمّا سبق، يمكن إجمالها في أربعة :
1ـ الحؤول دون وصول السُّنة إلى الحكم في سورية، و هو ما صرّح به الوزير لافروف، في حديث لإذاعة " كوميرسانت إف أم " في وقت مبكر من نشوب الأزمة السورية، في: 23/03/2012: " إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سورية، فستنبثق رغبة قوية، وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي فيها، ولا تراودني أية شكوك بهذا الصدد، ويقلقنا في هذا الوضع مصير المسيحيين، وهناك أقليات أخرى كالأكراد والعلويين والدروز، نخشى عليها ".
غير خافٍ مدى دموية النظرية الشيوعية، التي ينحدر منها ساسة الكرملين الحاليين، و مدى البغض الذي تضمره روسيا للمسلمين السُّنة على وجه التحديد، فقد نشر موقع " يحيى هارون " على الإنترنت، دراسة بعنوان " التاريخ الدموي للشيوعية "، ذكر فيها أنّ عدد الضحايا المسلمين على يد الشيوعيين و اليساريين المدعومين من الاتحاد السوفييتي، بلغ " 250 مليون ".
2ـ الرغبة في السيطرة على طرق التجارة الدولية، و الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، و معروف أنّ أحد أسباب انضمام تركيا إلى حلف الناتو، هو مقاومة الرغبة السوفيتية في احتلال تركيا و السيطرة على المضايق التركية باتجاه الأبيض المتوسط، عقب الحرب العالمية الثانية.
و معروف أنّ التحكم في التجارة الدولية وفي طرقها، يُعدّ من مظاهر القوة والثراء للدول منذ قبل الميلاد، فقد خاضت الإمبرطوريات الفارسية و البيزنطية و الرومانية، و من ثَمَّ العثمانية، حروبًا عديدة في سبيل ذلك، ولاسيّما بعدما تحوَّلت الطرق التجارية في أغلبها إلى القسطنطينية عند تأسيسها في سنة ٣٢٣ م، فأصبحت الطرق البحرية جميعها تؤدي إليها.
و هو الأمر الذي انصبّ عليه جهد روسيا في اتفاق سوتشي بخصوص إدلب، فكان من بين أهم مطالبها، الوصول إلى طريقي ( m4، و m5 )، المارّين في إدلب، و كان على الضامن التركي، و الفصائل التي حضرت لقاءات أستانا، و حتى على الهيئة بحكم أنّها الممسكة بالأرض و مطلعة على ذلك و متساوقة معه، أن يصارحوا الحواضن الشعبية بذلك، حتى يجنِّبوها تبعات التصعيد العسكريّ الروسي منذ نيسان الفائت.
3ـ الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي عمومًا، و الثورة السورية على وجه الخصوص، و ذلك مندرج ضمن العقلية القيصرية التي تحكم روسيا، عقب الفترة السوفيتية، فبوتين و طاقمه هم خريجو تلك المدرسة، ومن رجال جهاز المخابرات السوفييتي السابق (KGB)، الذي لا يكُنّ أيّ ودّ لعالم الثورات، و حتى لما قيل للوزير لافروف بأنّهم وريثو الثورة البلشفية، عبّر عن امتعاضه منها، و بأنّها كانت السبب في القضاء على روسيا القيصرية، التي يرى فيها مجد روسيا، و حلم الرئيس بوتين.
4ـ جعل سورية ساحة لتجريب أكثر من ( 200 ) نوع من السلاح، بحسب ما نقلت وكالة (فرانس برس) عن الجنرال فلاديمير شامانوف، رئيس الذي يترأس لجنة الدفاع النيابية، أمام مجلس الدوما، يوم الخميس: 20/ 12/ 2018: " لقد اختبرنا في دعمنا للشعب السوري، أكثر من 200 نوع جديد من الأسلحة "، ليضاف إلى تلك اللائحة بعد ذلك أصناف أخرى، من بينها: سوخوي 57، و صاروخ أفانغارد الخارق للصوت، و الدبابة تي-14 أرماتا، التي تؤكّد المصادر العسكرية المطلعة استخدامها في معارك شرق إدلب الحالية.
وسوم: العدد 857