العقول والقلوب : أوعية ، تُشحَن ، فتُملأ ، فيفيض منها ، ما امتلأت به !
في الحديث الشريف : كلّ مولود ، يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ، أو يمَجّسانه !
وفي الحديث ، الشريف ، أيضاً : ألا وإنّ في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كلّه ، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ، ألا وهي القلب !
ويرى ابن الجوزي ، أن العقل مطحنة ، تعمل بشكل دائم ، إذا وُضع فيها قمح ، أعطت صاحبه طحيناً، وإذا وُضع فيها حصىً ، أعطت صاحبه رملاً !
يروى عن الشاعر الحُطيئة ، حين حضرته الوفاة ، أن أحد الأشخاص ، طلب منه أن يوصي، فقال : أبلغوا بني فلان ، أن شاعرهم أشعر الناس ، حيث يقول كذا ! فيقال له : ياأبا مُليكَة ، قد حضرتك الوفاة ، فأوص .. فيعود إلى القول : أخبروا قبيلة كذا ، أن شاعرها هو أشعر الناس ؛ إذ يقول كذا وكذا ! وكلما أعيد عليه القول ، بضرورة الوصيّة ـ يعود إلى قوله : أبلغوا بني فلان، أن شاعرهم هو أشعر الناس ؛ إذ يقول كذا وكذا !
وذلك ؛ أن قلبه قد امتلأ شعراً ، فلم يعد يفيض إلاّ بالشعر، وما يتّصل به ، عندما ضعفت قواه العقلية ، فلم تعد تسيطر على مخزونات دماغه ، أو تضبط القدرة ، على التحكّم بها !
وقد ورد في الحديث الشريف : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ، خير له من أن يمتلئ شعراً! والحديث ، هنا ، هو عن امتلاء الجوف بالشعر، لا عن تعاطيه وسماعه وإنشاده ، بصورة طبيعية ، لا يطغى فيها الشعر، على الأمور الأساسية ، التي يجب أن يهتمّ بها المسلم ، كالقرآن الكريم ، والحديث الشريف ، وعلوم الشريعة .. ونحوذلك !
فما الذي تضخّه وسائل الإعلام الحديثة ، اليوم ، فتملأ به عقول أجيالنا وقلوبها ؛ ولاسيّما عقول الشباب والأطفال ، وقلوبهم !؟
إن نظرة متأنّية واحدة ، تبيّن للعقلاء ، ماتتعرّض له ، عقول الناس في بلادنا ، وقلوبهم ، وما تُملأ به هذه العقول والقلوب !
فما أمسباب هذا كلّه ؟ ومن المسؤولون عن هذا كلّه ؟ ومن المسؤولون عن معالحة هذا كله ؟
وسوم: العدد 858