الله أركسَهم بِما كسَبوا.. فلمَ يختلف فيهم المؤمنون ؟
هذا المعنى ، نزلت فيه آية ، واضحة الدلالة ، في المنافقين ؛ إذ يقول ، جلّ وعلا :
(فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسَهم بما كسبوا أتُريدون أن تَهدوا مَن أضلّ الله ومَن يُضللِ الله فلن تجدَ له سبيلاً).
ويبقى السؤال قائماً ، حول المنافقين ، وصفاتهم !
أمّا المنافقون في العهد النبويّ ، فقد عرّفتهم الآيات القرآنية ، وحدّد ت صفاتهم ، وأساليبهم في التعامل مع المؤمنين ، ومنزلتهم في النار، يوم القيامة ؛ إذ هم ، في الدَرك الأسفلِ مِن النار!
فما شأن منافقي اليوم ؟ وكيف يعرفهم المؤمنون ؟ وكيف يتعاملون معهم ؟
ثمّة مقاييس ، لذلك ، ومؤشّرات ! وقد وضّحت الآياتُ والأحاديثُ بعضَها ، وبعضُها متروك لحكمة العقلاء !
المقاييس: وردت أحاديث نبوية، تضع مقاييس واضحة ، للمنافقين، منها :
أن النبيّ (ص) قال : ( أربعٌ مَن كنّ فيه ، كان منافقاً خالصاً ، ومَن كانت فيه خصلة منهنّ ، كانت فيه خصلة من النفاق ، حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصمَ فجَر) . البخاري.
وفي حديث آخر، قال (ص) : من علامات المنافق ثلاثة : إذا حدّث كذبَ ، وإذا وعَد أخلفَ ، وإذا اؤتمنَ خانَ .. وإنْ صامَ وصلّى ، وزعم أنه مسلم ) . رواه مسلم .
وحول الفروق ، بين النفاق الأكبر، والنفاق الأصغر، يقول بعض العلماء :
النفاق الأكبر: يخرج من الملّة ، والنفاق الأصغر، لايُخرج من الملّة !
النفاق الأكبر: اختلاف السرّ والعلانية ، في الاعتقاد .. والنفاق الأصغر: اختلاف السرّ والعلانية ، في ألأعمال ، دون الاعتقاد !
النفاق الأكبر: لا يصدر من مؤمن ، أمّا النفاق الأصغر، فقد يصدر من المؤمن !
النفاق الأكبر: في الغالب لايتوب صاحبه .. ولو تاب ، فقد اختُلف في قبول توبته ، عند الحاكم ، بخلاف النفاق الأصغر؛ فإن صاحبه قد يتوب إلى الله ، فيتوب الله عليه !
.المؤشرات : قال الله تعالى ، لنبيّه ، عن المنافقين :
(ولو نشاء لأريناكَهم فلعَرفتَهم بسيماهم ولتَعرفنّهم في لَحن القول والله يَعلم أعمالكم).
وقال رسول الله : ما أسرّ أحد سريرة ، إلاّ كساه الله جلبابَها: إنْ خيراً فخير، وإنْ شرّاً فشرّ !
حكمة العقلاء :
هذا الأمر متروك للعقلاء ، في كلّ عصر ومصر، وفي كلّ بيئة ، وكلّ شأن ؛ فثمّة : منافقون في أمر الجهاد .. ومنافقون في أمر العلم .. ومنافقون في أمر السياسة .. وغير ذلك ! وكلّ قوم فيهم عقلاء مخلصون ، يَميزون المنافق من المخلص ، على ضوء ما آتهم الله من : حكمة ، وفطنة، وخبرة في الناس والحياة .. ثمّ على ضوء اختبارهؤلاء - المشكوك في إخلاصهم - في الميادين التي يُندَبون إليها !
ولا بدّ ، من الإشارة ، إلى أن ماتقدّم ، كلّه ، ليس درساً في التربية ، أو الأخلاق ؛ بل هو مؤشّرات ، للعاملين المخلصين ، في حقول السياسة، الذين لدِغوا مئات المرّات، من جحر واحد، هو جحر النفاق ، بسبب غفلتهم ، أو سذاجتهم .. أو.. براءتهم !
وسوم: العدد 859