روسيا تتخلّص من ترسانتها العسكرية في سورية
يرى خبراءُ عسكريون أنّ ما يقرب من نسبة 99% من القذائف التي ترميها روسيا فوق سورية، هي ممّا أنتجته في الحرب الباردة، أيام الاتحاد السوفييتي، و هي أسلحة فقدت قيمتها النوعية، و على وشك أن تفقد صلاحيتها، مقارنة بما تنتجه دول الناتو، و في مقدمتها أمريكا، ما عدا نوعيات معينة حديثة التصنيع، ممّا أنتجته في عهد بوتين.
ذكر شويغو، وزير الدفاع، و بوريس أوبسونوف، رئيس مؤسسة الصواريخ التكتيكية الروسية، أنّ الحملة العسكرية في سورية أصبحت اختبارًا جادً، فتمّ تجريب مقاتلات سوخوي: 35 و 57، و القاذفة تو 160، و القنابل الذكية، و أكثر من 600 قطعة سلاح جديدة، و أنظمة جديدة للقتال البري، وأنظمة دفاع جوي، وطائرات بدون طيار ومركبات إزالة الألغام.
و بذلك باتت روسيا تستعمل الأمر كاستراتيجية جديدة لتسويق أسلحتها، وكعلامة تجارية لإقناع المشترين المحتملين.
إنّ ما تقوم به روسيا في سورية، هو أمرٌ عادة ما تلجأ إليه الجيوش و الدول بين الحين و الآخر؛ فتقوم بالتخلّص من ترساناتها العسكرية القديمة، و تجدّدها بأحدث منها، و بطُرز مغايرة، ممّا ابتكرته المصانع و المختبرات، التي تمضي الساعات الطويلة، و تنفق الملايين، من أجل تحديث قائمة الأسلحة لديها.
و عندها تقوم بإقامة المعارض الدورية للمنتجات العسكرية، لإغراء الدول بشرائها، و ضمّها إلى ترسانتاها الحربية.
و عادة ما تقوم دول من العالم الثالث، من التي لها نوايا في خوض الحروب، أو تتسابق على مناطق النفوذ، أو التي لديها هواجس من الثورات و التحركات الشعبية، تقوم بافتعال حروب غير مبررة، سواء في الداخل أو الخارج؛ للتخلّص من تلك الترسانات الصدئة، و شراء تلك الأصناف الحديثة، و تنفق الملايين على برامج التسليح؛ بدعوى التطوير و التحديث.
و حتى تلك الدول المستقرة نوعًا ما، و ليس لها إشكالات جدية مع دول أخرى، كأمريكا، أو إسرائيل، فإنّها لا تكاد تمرّ عليها عشر سنوات حتى تفتعل حروبًا، و تخوضها لأسباب جدّ واهية.
كما هي الحال مع أمريكا، التي ذهبت إلى أفغانستان بذريعة معاقبة تنظيم القاعدة، الذي ما زال تبنيه لعملية برجيّ التجارة موضع جدل لدى كثير من مراكز البحوث و المعنيين بالسياسة الأمريكية، ثم جاءت إلى منطقة الشرق الأوسط بذريعة معاقبة نظام صدام حسين على غزوه الكويت، و ما أعقب ذلك من إسقاطه في مارس/ 2003، ثم عززّت وجودها في المنطقة بعد 2011، حينما عصفت بالمنطقة رياح الربيع العربي، و هي في كلّ ذلك جددّت ترسانتها العسكرية.
و كما هي الحال مع إسرائيل التي لا تكاد عشر سنوات تمرّ إلّا و تشنّ حربًا في المنطقة، و كثيرًا من تجعل من قطاع غزة مكانًا للتخلّص ممّا قاربت صلاحيته على الانتهاء من ترسانتها، أو لتجريب تلك الأصناف التي تفتقّت بها الذهنية الإسرائيلية، أو في المختبرات الغربية، و تريد أن تختبرها في حال أخذت بالتفكير في اقتنائه.
و حتى تلك الدول التي عزفت على أسطوانة محاربة إسرائيل عقودًا طويلة، و بددّت ثروات بلادها في انتظار الحرب المصيرية، تبيّن أنّها كانت تكدسه لمحاربة من يفكِّر بمنازعتها الحكم من أبناء شعبها، و قد تبيّن أنها لو حاربت به إسرائيل فلن تضرّها و لن تلحق بها تلك الهزيمة الموعودة، في حين أنّها كانت شديدة الفتك في الصراعات الداخلية التي خاضتها مع أبناء شعبها.
لقد برهنت الأيام أنّ روسيا غيرعابئة أو مكترثة في أيّ مكان تلقي حممها فوق الجغرافية السورية، سواءٌ أصابت أهدافها أم لا؛ لدرجة أنّه كثيرًا ما كانت قاعدة حميمييم، تطلب من الطيارين أن يتخلصوا من حمولاتهم، إذا حالت الظروف الجوية بينهم و بين الهدف المرسوم لهم، كما حدث مرارًا في إدلب، وفق المكالمات الملتقطة من مراصد الفصائل، و ما تمّت إصابته من أهداف لا قيمة لها من الناحية العملياتية.
و هي بذلك تكون قد تخلصت من تلك الأسلحة التقليدية الصدئة، فضلًا على قبض ثمنها وفق القيمة التي تحددها هي فقط، من الدول التي تموِّل العمليات العسكرية في سورية، و يكون بوتين قد نال ما يصبو إليه في العودة إلى القطبية العالمية، و عززّ نفوذه بلده في المنطقة.
وسوم: العدد 863