العطب في عقل عصيد لا في عقل شيخ الأزهر الذي أفحم رئيس جامعة القاهرة
قد بات من مألوفا لدى الرأي العام المغربي أن المدعو أحمد عصيد الذي ينصب نفسه مسوقا الدعاية للتوجه العلماني وللعصبية العرقية لا شغل له سوى تعقب كل ما له صلة بالإسلام لانتقاده ذلك لأن الإسلام بالنسبة إليه ولأمثاله من العلمانيين هو العائق الذي يحول دون ما يحلمون به من سيادة للعلمانية في بلد هويته عربية إسلامية .
وفي آخر مقال له منشور على صفحة موقع هسبريس حمل على شيخ الأزهر الذي مسح الأرض برئيس جامعة القاهرة حين استهدف الفكر الإسلامي واصفا إياه بالتقليد الذي يجب تجاوزه بتجديد وفق منظوره العلماني .
ولقد حظي رد شيخ الأزهر باهتمام كبير حيث تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق ، وبلغت مشاهداته أرقاما قياسية نظرا لأهميته، وهو ما أثار قلق العلمانيين منهم عصيد، فأراد أن ينال من الأزهر من خلال النيل من مشيخته الناطقة باسم الإسلام الذي زعم رئيس جامعة القاهرة أنه في حاجة إلى تجديد لمسايرة الهوى العلماني مع أنه دين الرسالة الخاتمة الذي أتمه وأكمله الله عز وجل، ورضيه للمؤمنين وللعالمين جميعا ، وليس بعد كماله وتمامه تجديد .
ولقد كان رد شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة حدثا في غاية الأهمية ،لأنه جاء في ظرف حساس للغاية بالنسبة لمصر خصوصا وللوطن العربي عموما .
أما ظرف مصر، فهو ظرف إجهازعلى تجربة ديمقراطية غير مسبوقة في تاريخ مصر حيث أجهز العسكر على حكم مدني منتخب لأول مرة بطريقة ديمقراطية أمام سكوت الغرب ومباركته وهو الذي يزعم أنه راعي الديمقراطية في العالم والوصي عليها في عصر لم يعد فيه معنى للانتقلابات العسكرية إلا في البلاد العربية . وسبب سكوت الغرب عن الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر هو كون التجربة الديمقراطية فيها أفضت بحزب الحرية والعدالة الذي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جناحه الدعوي إلى السلطة ، وهو ما أقض مضجع الأنظمة الغربية العلمانية، وأثار قلقها الشديد خصوصا وقد بدأت بلدان عربية أخرى تحذو حذو مصر في تجربتها الديمقراطية ، وبدأت شعوبها تراهن على الأحزاب ذات التوجه الإسلامي للخروج من نفق الفساد السياسي المظلم.
ومن أجل إضفاء الشرعية على الانقلاب العسكري في مصر، انطلقت حملات دعائية ضد كل ما له صلة بالإسلام ، ونشطت التوجهات العلمانية بشكل لافت للنظر في اتجاه تجريم جماعة الإخوان المسلمين الدعوية واعتبارها جماعة إرهابية متطرفة معادية للعلمانية الغربية وللحداثة .
وتندرج مداخلة رئيس جامعة القاهرة ضمن هذه الحملة التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الحكم العسكري في مصر المنقلب على التجربة الديمقراطية وعلى الشرعية . ومن هنا تأتي أهمية رد شيخ الأزهر على رئيس جامعة القاهرة ،لأن هذا الأخير كان في واقع الأمر يدافع عن اغتصاب السلطة في مصر باسم الحداثة والتجديد بينما فضح شيخ الأزهر مناورته المكشوفة ، وتورطه في الدعاية الرخيصة لنظام فاقد للشرعية والمصداقية .
ولئن بدا النقاش بين شيخ الأزهر وبين رئيس جامعة القاهرة فكريا يتمحور حول فكرة التقليد والتجديد ، فإنه في الواقع عكس ما تعرفه الساحة المصرية خصوصا والعربية عموما من تدافع بين توجه إسلامي يراهن على الإسلام كحل لخروج الأمة من تخلفها وتبعيتها للغرب العلماني ،وبين توجه علماني يريد أن يجعل مصيرها مرتبطا بالعلمانية الغربية التي تستغل خيراتها ومقدراتها أبشع استغلال ، وهي بذلك تحارب بشراسة التوجه الإسلامي الذي ينادي بالتحرر من التبعية لها ومن استغلالها للأمة العربية أغنى أمة في العالم تفقر قسرا من خلال شغلها بإشعال نيران الحروب الطاحنة والفتن فيها ، وذلك لترجيح كفة الأنظمة المستبدة الفاسدة على كفة التجارب الديمقراطية .
ولقد استغلت العلمانية الغربية هذا الظرف ، وتحت ذريعة محاربة الإرهاب وما تسميه الإسلام السياسي، مهدت لفكرة الدفع في اتجاه حمل الوطن العربي على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل من أجل إنهاء الصراع العربي الفلسطيني نهاية سعيدة بالنسبة للمحتل ولكن على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يعيش بين التهجير والحصار .
ويعول العلمانيون من أجل تحقيق التطبيع على فكرة إدخال ما يسمى تجديدا على التقليد لتجاوزه، وما هو في الحقيقة سوى محاولة إفساح المجال لسيطرة العلمانية في الوطن العربي على حساب الإسلام توطيدا لفكرة التطبيع لأن التقليد يتعارض معها ويرفضها .
وشيخ الأزهر حين ناظر رئيس الجامعة إنما كان يعبر عن صمود ما سماه رئيس الجامعة تقليدا يجب تجاوزه تحت ذريعة التجديد، وما هو في الحقيقة سوى تمويه لتمرير العلمانية المكشوفة والتمكين لها حيث لا يمكنها ذلك .
ومن هنا يعتبر رد مشيخة الأزهر على المحاولة العلمانية في هذا الظرف بالذات محطة تاريخية في غاية الأهمية ، وهو مؤشر على أن هذه المؤسسة الدينية العتيقة التي ظلت تحمل مشعل الإسلام لا زالت صامدة تقاوم كل الحملات المكشوفة التي تستهدفه ،وآخرها الطبعة الجديدة للعلمانية التي وظفت لها طوابير خامسة في طول وعرض الوطن العربي فيما تعتبره آخر جولة لجعل الإسلام متجاوزا وعلى هامش الواقع يتنازل للعلمانية على السيادة على هذا الوطن .
وأخيرا ما نختم به هو المثل المغربي الذي يقول : "من به فز قفز" وهذا حال عصيد الذي استفزه رد شيخ الأزهر الرصين على هذر رئيس جامعة القاهرة .
وسوم: العدد 863