حكومة الحرب على الشعب اللبناني
البيان الوزاري الذي أعلنه حسّان دياب، طالباً ثقة المجلس النيابي في حكومته، هو إعلان حرب على الشعب اللبناني.
المسألة ليست فقط في أنه يطلب ثقة ممن فقد الثقة الشعبية، أي من مجلس نواب أعلنت انتفاضة 17 تشرين سحب وكالته الشعبية. فالثقة لا يعطيها من فقد ثقة الناس.
المسألة هي أن السيد حسّان دياب وحكومته يعلنان الحرب على الشعب.
تتخذ هذه الحرب ثلاثة أشكال من الكذب الصريح:
أولاً: يكذبون في استقلاليتهم، فالكلام الإنشائي المنمّق عن تمثيل حكومته لمطالب انتفاضة 17 تشرين (التي يُطلق عليها اسم الحراك) وعن استقلالية الوزراء، لا صحة له على الإطلاق. إنه انتحال صفة تقوم به مجموعة من أتباع الطغمة الأوليغارشية الحاكمة.
الوزيرات والوزراء هم مجرد متسلّقين على حبال أحزاب السلطة، إنهم مجموعة من المستشارات والمستشارين الذين لا حول لهم.
قرار الحكومة يقع خارجها رغم كل ادعاءات البروفيسور دياب، فالبروفيسور نفسه لا يملك قراره، إنه نقطة تقاطع بين باسيل والثنائي الشيعي وبقايا الجهاز الأمني اللبناني السوري الذي تحكّم بلبنان زمن ولاية إميل لحود.
ثانياً: يكذبون في ادعائهم معالجة الأزمة. فهذه الحكومة، رغم كل الكلام عن نيتها إيجاد حل للأزمة؛ أي للانهيار الاقتصادي الشامل، لا تملك أي تصوّر للحل. أول عمل قام به حسّان دياب هو تبنّي الموازنة الوهمية التي أعدتها الحكومة السابقة، كما تبنّى الورقة الإصلاحية لسعد الحريري التي أسقطتها الانتفاضة.
البيان الوزاري ينقسم إلى نصفين:
نصف حقيقي، وهو استمرار الخضوع لعصابة أصحاب المصارف ولهندسات النهب التي صنعها المصرف المركزي، وتنفيذ الخطة الباسيلية للكهرباء، والتسوّل اللامجدي على أعتاب «سيدر» والمانحين الدوليين الذين سئموا طبقة النصّابين التي تحكم لبنان، والدعوة المستترة للخصخصة، وتجاهل سعر صرف الليرة، أي تركه كأداة بيد حاكم مصرف لبنان لنهب صغار المودعين والموظفين والعمال، وعدم اتخاذ أية إجراءات لجدولة الدين العام وتحميل كبار المتمولين الجزء الأكبر من أعبائه.
ونصف كاذب عن محاربة الفساد واستقلال القضاء واسترداد الأموال المنهوبة والتأكيد على المساواة الجندرية. (وهنا يسجل تراجع البيان عن مسودته الأولى عبر حذف حق المرأة اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها).
إنها حفلة من الأكاذيب واللغة الإنشائية الخشبية التي كشفتها الإضافة الصغيرة عن اللاجئين السوريين التي طلبها عون، والتي أطلقت تغريدات وزير الخارجية ناصيف حتّي، التي أثبت فيها ولاءه لعنصرية جبران باسيل ضد اللاجئين السوريين.
هذه حكومة الأوليغارشية، وجمعية أصحاب المصارف، ولصوص نظام المحاصصة، لا أكثر ولا أقل. التوجّه العام الذي تتبناه الحكومة هو تغييب المسؤولية عن الانهيار، كأن هذا الانهيار كارثة طبيعية، على فقراء لبنان تحمّل تبعاتها.
حقيقة هذه الحكومة هي أنها استنساخ لفريق سياسي هو فريق 8 آذار كان شريكاً مقرراً ومضارباً في السياسات الاقتصادية التي أوصلت لبنان إلى الانهيار، وهو يصرّ على شراء الوقت، تاركاً السفينة تنزلق إلى القعر، لأنه يريد المحافظة على امتيازاته وماله الحرام حتى الرمق الأخير.
أصحاب المصارف يمسكون بتلابيب الحكومة، وهم من يقرر السياسات المالية للدولة.
بيان إنشائي هزيل لا يجرؤ على تسمية الانهيار باسمه أو تحليل أسبابه أو تقديم اقتراحات فعلية لعلاجه. وأغلب الظن أن هذه الأوليغارشية التي لبست قناع المستشارين لن تفعل شيئاً، فهي أكثر عجزاً وبلادة وجهلاً حتى من أن تقوم بإجراءات رأسمالية عقلانية للحد من التدهور، فكيف يمكن أن ننتظر منها القيام بإجراءات جذرية تمس بنية النظام الاقتصادي السياسي الذي أوصل البلاد إلى الإفلاس؟
ثالثاً: يكذبون حين يعلنون «الحرص على احترام حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي»، هذه هي الكذبة الأكبر. منذ لحظة تشكيل الحكومة، شعر جميع ناشطات وناشطي الانتفاضة بأن القبضة الأمنية تزداد صلافة، بدلاً من أن ينحني من يدّعي تمثيل «الحراك» أمام تضحيات شباب لبنان الذين فقأ الرصاص المطاطي عيونهم، والذين تعرضوا للضرب والإهانة والتعذيب والإذلال على أيدي رجال الأمن. وبدلاً من أن يعد بفتح تحقيق في الأساليب غير الديموقراطية ومعاقبة المسؤولين عن الانتهاكات، إذا به يبشرنا بِـ «دعم القوى الأمنية والعسكرية المولجة بحفظ النظام».
وهناك أكثر من مؤشر على أن يد هذه القوى ستتفلت من كل قيد بهدف وأد الاحتجاجات الشعبية.
ما يخيفهم هو ثورة الفقراء والجياع التي تطرق الأبواب. فهم يعرفون أن الوضع الاقتصادي للبنانيات واللبنانيين ينحدر إلى قعر بلا قعر، وهم يريدون وأداً استباقياً لاحتجاج الفقراء وثورة الجياع.
هذه حكومة الهاوية، وفي الهاوية لن يجدوا في انتظارهم سوى الثورة.
حسّان دياب ليس أكثر من هراوة في يد الطبقة الأوليغارشية، التي تتحايل على الأزمة بالمزيد من الإيغال فيها.
«خلص المزح»، قال النائب العوني «القبضاي» زياد أسود، قبل أن يفرّ هارباً من مطعم «الجزيرة»، في طبرجا.
نعم، «خلص المزج»، لعبة التحريض العنصري والطائفي والمناطقي لم تعد تجدي. الملعب اليوم هو ملعب صراع اجتماعي- طبقي، سوف تحاول فيه الأوليغارشية المستبدة إشهار سلاحها القمعي، كمحاولة أخيرة لمنع انهيارها.
إنها حكومة حرب على الشعب اللبناني، لكنها أيضاً حكومة الفشل الحتمي. فالانهيار لا يداوى عبر ترقيعه، بل عبر إصلاح جذري يُنهي النظام الريعي الذي حوّل لبنان إلى مزبلة. وشرط هذا الإصلاح هو إسقاط الطبقة الحاكمة.
الانهيار ينتظرنا، والشعب يقول للأوليغارشيين واللصوص لاقونا على مفترق الانهيار، كي نحوّل انهياركم إلى بداية لولادة الوطن.
وسوم: العدد 863