من أسلم وحسن إسلامه فليحمد الله عز وجل الذي اجتباه وهداه
من أسلم وحسن إسلامه فليحمد الله عز وجل الذي اجتباه وهداه لذلك وليقدر هذه النعمة العظمى بشكر يليق بها ويكون بثباته على دينه
كثير ممن ولدوا في بيئات إسلامية من آباء وأمهات على ملة الإسلام ونشئوا عليها قد لا يلقون بالا إلى هذه النعمة العظمى التي لا تضاهيها نعمة . وقد يقول البعض نحن مسلمون بالولادة بمعنى أنهم تلقوا الإسلام من آبائهم وأمهاتهم دون أن يكون وراء ذلك سبب أو سر وهو إرادة الله عز وجل التي جاء ذكرها في محكم التنزيل في قوله تعالى : " (( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ))
ولقد ورد في قوله تعالى الاجتباء وهو الاصطفاء والاختيار ، الشيء الذي يعني أن الله عز وجل هو من يختار الناس لدين الإسلام ، وهو الذي أطلق عليهم اسم المسلمين في صحف إبراهيم الخليل عليه السلام ، وفي القرآن الكريم لقوله تعالى : (( هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا )) . ومن مقتضيات الاجتباء تنفيذ أوامر الله عز وجل، وهي في هذا النص القرآني الصلاة بركوعها وسجودها ،وإيتاء الزكاة، والعبادة بمفهومها الواسع ،وفعل الخير، والجهاد في الله حق الجهاد ، والاعتصام به عز وجل وهو اعتصام بما أنزل .
والاجتباء إنما جعله الله تعالى لممارسة دين الإسلام الذي ليس فيه حرج بل هو في غاية اليسر والسهولة حتى لا يقال إن الاجتباء له أمر في غاية الصعوبة ، وأنه تكليف فوق ما يطيق الناس . وبحكم الاجتباء يصير المجتبون شهود على غيرهم من الناس ، بينما يكون الرسول صلى الله عليه وسلم شاهدا عليهم . وشهادته عليه الصلاة والسلام هي استقامته على ملة الإسلام دين اليسر ، ذلك أن من اجتبي ولم يستقم أقام على نفسه الحجة ولم يجد عذرا يتذرع به ما دام في الدين يسر . وشهادة المجتبين ممن حسن إسلامهم على الناس هي استقامتهم على ملة الإسلام ، ولا عذر ولا ذريعة لمن شهدوا عليهم ،لأنهم أقاموا الدليل باستقامتهم على أن الإسلام دين يسر وفي متناول جميع الناس .
ومن التقصير في نعمة الاجتباء لدين الإسلام ألا يؤدى شكرها ،و يكون ذلك بالانضباط التام لأوامر الله عز وجل. فمن شهد على نفسه بالشهادتين أن الله عز وجل قد اجتباه لدين الإسلام، ولم يؤد واجبات الاجتباء من صلاة وزكاة وعبادة وفعل الخير والجهاد في الله عز وجل حق الجهاد والاعتصام به ، فإنه إنما يقيم بنفسه على نقسه الحجة بأنه ليس أهلا لنعمة الاجتباء ،تماما كما تسند مهمة لمن ليس أهلا لها.
ولا يستطيع من يعطل شيئا من مقتضيات الاجتباء أن يحسب على المجتبين، تماما كما لا يحسب من الموظفين أو العمال على وظيفة أو عمل إن هو عطل شيئا من مقتضياتهما .
وإذا زعم أو ادعى أحد أنه من المجتابين، وهو على سبيل المثال لا يؤدي فريضة الصلاة كما يجب أن تؤدى توقيتا وكيفية ، ولم تكن له ناهية تنهاه، فإن زعمه أو ادعاءه يكون باطلا . وعلى فريضة الصلاة تقاس كل الفرائض والواجبات التي تستوجبها نعمة الاجتباء مما ذكر في قول الله عز وجل المذكور آنفا أوفي غيره مما ذكر في القرآن الكريم ، وفي سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . ولهذا نجد من صيغ الأحاديث النبوية الشريفة : " ليس منا من ... " وبعدها ذكر لتعطيل فريضة أو واجب تقتضيه نعمة الاجتباء . وفي الذكر الحكيم ما يشبه صيغة الحديث هذه من قبيل قول الله تعالى : (( فلا وربك لا ... حتى )) أو (( لن .... حتى )) وبعدهما ذكر ما تقتضيه نعمة الاجتباء . وهذه الصيغ في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، تعني أن شكر نعمة الاجتباء لا يكون إلا بمقتضياتها التي هي أوامر الله تعالى و نواهيه .
ولا يمكن لأحد القول لو أن الله عز وجل اجتباني لعملت بمقتضيات الاجتباء ، وهذا عذر مردود على قائله لأن الله تعالى بتيسير الإسلام جعل الاجتباء في متناول كل الناس إلا أنهم ثلاثة أصناف : صنف رفض الاجتباء أصلا ، فظل خارج إطاره ، وصنف آخر دخل في إطاره دون التزام بمقتضياته ، وصنف ثالث دخل في إطاره مع الالتزام بمقتضياته ، وهو الصنف الشاهد على الصنفين الأول والثاني بالتزامه بتلك المقتضيات وبسرها .
ومعلوم أن الصنفين الأول والثاني سيّان في الحسرة يوم القيامة وهما يحاسبان على نعمة الاجتباء ، ذلك أنه بقدر ما يتحسر الصنف الأول الذي لم يبد أدنى اهتمام بالاجتباء ، يكون الصنف الثاني أشد حسرة منه لأنه ضيع نعمة كانت بين يديه.
وأخيرا نسأل الله عز وجل أن نكون في مستوى شكر نعمة الاجتباء لدينه ، وفي مستوى تسمية المسلمين التي سمّانا بها من قبل وفي هذا .
وسوم: العدد 866