ماذا تعرف عن الرجل الشبح الذي يدير الإعلام المصري؟!
قديما قالت العرب: “يا ما جاب الغراب لأمه”. أما الغراب فهي الشركة، التي أناط بها أهل الحكم تطوير التليفزيون المصري، وتسمى الشركة “المتحدة”، وهي تتبع شركة إعلام المصريين التابعة للأجهزة الأمنية، والتي استحوذت على الإعلام في مصر بيعاً وشراء، وبقوة السلاح، فحتى رجل الأعمال نجيب ساويرس رضخ، وباع قناته “أون تي في”، فمن يقدر على العسكر؟!
وإذ قاوم رجل الأعمال “أحمد بهجت”، فلما رأى العين الحمراء، تنازل عن نصف قناته “دريم” لصالح شركة الأجهزة الأمنية، كشرط لعودة “وائل الإبراشي”، الذي تم وقف برنامجه بقرار من “الباب العالي” كقرصة أذن يؤدب بها الأب ابنه، والأستاذ تلميذه، والسيسي أذرعه الإعلامية. بعد أن تجرأ واستقبل مكالمة هاتفية من الفريق أحمد شفيق، تحدث فيها عن موقفه عن التفريط في “تيران وصنافير” للسعودية، وكان شرط عودته هو أن يتنازل أحمد بهجت عن “دريم”، لكن بالمفاوضات أمكن قبول الشراكة المفروضة عليه قسراً، فلما قبل لم يعد “وائل” إلى “دريم” لكنه عاد إلى “الحياة”، ومنها إلى “ماسبيرو”، عندما قررت الشركة المالكة للحياة، ولعموم الإعلام المصري إلا ما ندر، أن تدخل بكل ثقلها في مهمة تطوير التلفزيون المصري!
ومرة أخرى نعود فنذكر أن الشركة التي تتولى مهمة تطوير التليفزيون الرسمي للدولة المصرية، هي الشركة المتحدة، التابعة لشركة إعلام المصريين، التي تتبع بدورها لشركة “إيغيل”، وفي كل يوم نسمع عن شركة جديدة، تختلف أسماء من يحضروا لتمثيلها، ليظل الثابت الوحيد هو تامر مرسي، فهو الذي يرأس إعلام المصريين، ويرأس الشركة المتحدة، ويرأس كذلك شركة “سينرجي” للإنتاج الفني، وهو الذي قال لعادل إمام في العام الماضي “خليك بالبيت”، لإخلاء الساحة للنجم الأوحد “محمد رمضان”، الذي يتبناه الحكم العسكري باعتباره صانع النجوم، وليس في ثقافة العسكر إلا الزعيم الأوحد، والكاتب الأوحد، والنجم الأوحد، والحكم الجديد يصنع نجومه، ليهبط المستوى من “عادل إمام”، إلى “محمد رمضان”، ولله في خلقه شؤون!
يرددون أنهم عندما عرضوا على “عادل إمام” القيام بعمل في رمضان الماضي اشترط خمسة وعشرين مليون جنيه، فاستكثروا المبلغ، ومن ثم كان القرار العسكري بأن يبقى في البيت، وإذ تأكد لهم قدرتهم على الضبط والربط وإنهاء المهام، فيقال إن عادل إمام سيعود بعمل في هذا العام، بعد أن تأكد أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن تامر مرسي، ليس مجرد منتج سينمائي في بداياته، وقد ظهر قبل سنوات قليلة قبل الثورة، دون أن يلفت انتاجه انتباه أحد، لكنه الآن هو “غول الإنتاج”، لأنه مندوب النظام الحاكم.
يُذكر لعادل إمام فيشكر إنه احترم سنه ومكانته، فوسعه بيته، ولم يكن مثل محمد صبحي، الذي يبتذل نفسه بتأييد السيسي قبل الأكل وبعده، ومع ذلك لم يجد على النار هدى، وصار مثله مثل نجوم كثيرين، في حالة تزلف للنظام مثل خالدة الذكر الهام شاهين، وحسن يوسف، وليلى علوي، ومع هذا لم يجدوا على النار هدى، لأن النظام العسكري الحاكم مشغول بصناعة نجوم المرحلة، وباعتباره قادراً على ذلك!
تاريخ “الشركة المتحدة”
لا نعرف تاريخ باسم الشركة المتحدة، إلا عندما أوكلوا لها مهمة تطوير التلفزيون الرسمي، يبدو الأمر مع الإسراف في إنشاء الشركات الجديدة، قريب الشبه بسياسة السلطة منذ عهد مبارك، في إدارة قطاع البترول، فكلما اكتشفوا بئراً جديداً، أنشأوا له شركة، ومجلس إدارة، وموظفين، ورواتب وعمولات. فهل تأسست الشركة المتحدة خصيصاً من أجل إدارة التطوير في التلفزيون المصري؟!
لا قيمة للشركات واسمائها، فالمهم هو تبعية هذه الشركات مع تعددها لشخص الحاكم، والذي ينوب عنه “تامر مرسي” في كل المحافل الإعلامية، وقد ظهر مع باكورة هذا التطوير ممثلة في برنامج “التاسعة مساء” لـ “وائل الإبراشي”، و”مرسي” هو صاحب فكرة أن تكون البداية باستضافة محمد رمضان، نجم العسكر الأوحد، والذي يريد النظام العسكري من خلال أدواره الانحراف على أنه القدوة والمثل الذي ينبغي على الشباب أن يحتذوا به، فيتم فرضه على الناس والإلحاح في ذلك، ويتصدر المشهد في مؤتمرات السيسي تعبيراً عن النجومية في هذه المرحلة!
وفي نهاية اللقاء التاريخي، الذي مثل البداية الحقيقية لعملية التطوير، التقطت الصور بين الضيف “محمد رمضان”، ومندوب الكفيل “تامر مرسي”، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها بأننا أمام مندوب المالك الجديد للتلفزيون المصري، وهو عبد الفتاح السيسي بشخصه قبل أن يكون بصفته، ولاحظ أيضاً أن محمد رمضان هو نجم مسلسل رمضاني تنتجه الشركة المستحوذة على الدراما في مصر، وهي تتبع أيضاً شركة إعلام المصريين، ويتولى رئاستها “تامر مرسي” الشبح الذي يدير الكوكب مندوبا عن صاحبه!
في مقابلة صحافية مع وحيد حامد، كان كمن يشكو حاله لحاله، فقد انتهى من انتاج ثلاثة مسلسلات، وأنه في انتظار الفرج، وبعد ثلاثة أسابيع، ظهر في حضرة تامر مرسي وهما يزفان بشرى عظيمة، فقد رأفت الشركة المتحدة بحاله وتعاقد معه ولي أمر المشهد الإعلامي في مصر تامر مرسي على انتاج الجزء الثالث من مسلسله “الجماعة”، وهو المسلسل الذي ظهر الجزء الأول منه قبل الثورة، وهو مسلسل يقوم بالتشهير بجماعة الإخوان المسلمين، وإذ امتنع عن الجزء الثاني بعد الثورة، وذهب الجميع إلى مكتب الإرشاد محلقين ومقصرين، فقد أنتج الجزء الثاني منه بعد الانقلاب العسكري، وها هم يتعاقدون معه على الجزء الثالث، وقد حشروه في هذه الزاوية، فهم الذين يحددون حركته ومساره الدرامي!
في التعريف بـ”المتحدة”
ذهبت إلى “غوغل” للتعرف بشكل أكبر على الشركة المتحدة، فوجدت في تعريفها على ويكيبيديا أنها شركة مساهمة مصرية، متخصصة في “الإعلام المرئي، والمسموع، والمطبوع، والإلكتروني، والإنتاج الفني والسينمائي، والتسويق والاعلان، والتعليم والتطوير، وخدمات الأمن”!
انظر إلى هذه القائمة الطويلة العريضة، والتي تضم كل النشاط الإبداعي، بجانب النشاط التجاري المرتبط به، ومع ذلك فهي متخصصة في خدمات الأمن، وكل فرع من هذه الفروع يلزمه شركة خاصة، دون أن نعرف رأس مال هذه الشركة الاخطبوط، وأيضاً دون أن نشاهد كادرا واحدا، واسما لمتخصص في أي لون من هذه الأنشطة، فلا حضور إلا للشبح “تامر مرسي”!
في مثل هذه الحالة يكون من المناسب اللجوء إلى أخبار الدعاية، لأنها تعبر عن المصدر، فأحد الأخبار وهو يشيد بعظمة الشركة المتحدة ونجاحاتها التي تحققت منذ سنة 2019، انتقل نقلة غريبة بدون مقدمات، بأن “تامر مرسي” رئيس مجلس إدارة شركة “سينرجي” صرح أنه تعاقد مع النجم أحمد عز للقيام ببطولة مسلسل في رمضان 2020، فهل شركة “سينرجي” هي الشركة المتحدة؟ أم أن هذه شركة وهذه شركة أخرى، يجمع بينهما أنه يرأس مجلس ادارتيهما “تامر”، العابر للقارات، فمن “تامر” هذا وما هي خبرته وما هو نشاطه قبل أن يدخل مجال انتاج الدراما في سنة 2007 فقط؟!
بيد أن المهم أننا عرفنا أن الشركة المتحدة هي من مواليد سنة 2019، فما هي خبرتها وسابقة أعمالها في مجال التطوير لكي يوكلوا لها مهمة تطوير التلفزيون المصري؟! وإذا كان رئيس مجلس ادارتها اكتسب خبرة في الإنتاج الدرامي، فما هي خبرته في المجالات الأخرى، ومنها العمل الإعلامي، ليرتقي لدرجة أن توكل له مهمة تطوير التلفزيون المصري؟
نعم هو غطاء للأجهزة الأمنية، ويمكن فهم ذلك بسهولة لأن المحطة الإذاعية، التي حصلت على الترخيص في عهد وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود، تابعة للمخابرات، بحسب قوله في مقابلة مع قناة “الجزيرة مباشر” تدار بواسطة “تامر مرسي”، فما هي خبرة هذه الأجهزة في مجال الاعلام؟!
فكرة تطوير التلفزيون المصري ليست جديدة، فقد شكلت لجانا من إعلاميين مصريين، لهم خبرة كبيرة في هذا المجال، ولأكثر من مرة، وفي كل مرة كان ينتهي الأمر على بقاء الحال على ما هو عليه، لأن التطوير يحتاج إلى إرادة سياسية غير متوفرة، فنجاح الإعلام يلزمه أن يكون بعيداً عن تسلط الدولة وهيمنتها، لكن الخطة الجديدة تقوم بها شركة أمنية في الأساس، فما هي خطتها وما هي خبرتها، والمثل المصري يقول بإعطاء الخبز لخبازه، فصاحب الصنعة هو الأقدر على العطاء فيها.. فأين نجحت الأجهزة الأمنية لتنتقل بنجاحها لتركب الصعب وتذهب إلى مبنى ماسبيرو، بل أين نجحت شركة إعلام المصريين، والشركة المتحدة، و”تامر مرسي” ليكلف بمهمة تطوير التلفزيون المصري؟!
المذكور “تامر” دخل المجال من باب الإنتاج الفني، ولا نعرف إن كان من البداية غطاء لجهات أم لأفراد أم لا؟ لكن في الأخير المنتج ليس أكثر من مال، وإلا صار الأولى بالمهمة السبكي، وهو صاحب خبرة أطول، في مجال الإنتاج السينمائي!
وقبل هذا، هل نشر المجلس الأعلى للإعلام يطلب شركة لتطوير التلفزيون، وبعد منافسة حقيقية وشفافة كان العطاء من حق الشركة المتحدة؟
الحقيقة إن هذا لم يحدث، ولكن الموضوع تم بالإسناد المباشر، الذي يميز هذه المرحلة، على النحو الذي ذكره الفنان محمد علي في فيديوهاته!
لقد كانت “العينة بينة”، فبعد دعايات مكثفة للطلعة الجوية الأولى، تمخض الجبل فولد فأرا ميتاً، فوائل الابراشي حاور في حلقته الأولى محمد رمضان، وجاءت الحلقات التالية باهتة لم تجذب انتباه أحد، وفي الوقت نفسه وقع “تامر مرسي” عقدا مع “لميس جابر” لتقدم برنامجا تلفزيونيا على قناة “الحياة”!
“فيا ما جاب الغرب لامه”.
وسوم: العدد 867