حول وقوف المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري في ممر باب الهوى السوري
بين وقوف مستشار الرئيس الأميركي الأسبق زبيغينو بريجنسكي عام 1980 على ممر طورخم الباكستاني المطل على أفغانستان، وبين وقوف المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري في ممر باب الهوى السوري بالأمس، وإلى جانبه المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة كيلي كرافت، والسفير الأميركي في تركيا؛ أربعة عقود.
لم يتغير الكثير في هذا العالم، ولم تجرِ -على ما يبدو- مياه جديدة، لكن جرت دماء كثيرة؛ فالمرسل الأميركي نفسه، والمستهدف الروسي هو نفسه، ولكن يبدو أن المستنقع والمصيدة التي وقع فيها المحتل الروسي اليوم في سوريا هي نفسها المصيدة التي وقع فيها من قبل في أفغانستان، دون أن يتعلم شيئاً على ما يبدو.
بالأمس، كان بريجنسكي من خلال وقوفه على الجبال المطلة على أفغانستان، يرسل رسالة إلى السوفييت وليس إلى نظام الدمية الشيوعي، مفادها أن باكستان ليست وحدها في هذه الحرب، وضياء الحق ليس وحده، تماماً كما أن الشعب الأفغاني ليس وحده في هذا الصراع ما دام الرئيس الأميركي رونالد ريغان وصف السوفييت يومها بـ «إمبراطورية الشر». واليوم الوقفة نفسها والرسالة نفسها، ولكن -على ما يبدو- كما أخطأ السوفييت في قراءة تلك الرسالة، سيخطئون في قراءة هذه أيضاً. رسالة الوفد الأميركي واضحة جداً، وهي التي جاءت بعد وصول أول وفد أممي تابع للأمم المتحدة إلى مخيمات اللاجئين والمشردين بفعل القصف الروسي والإيراني لسنوات، وذلك في المكان نفسه تقريباً ومن على الحدود السورية – التركية؛ فقد استبق الوفد الأممي زيارته إلى المخيمات بيوم واحد للوفد الأميركي، الزيارة التي أزعجت العصابة الطائفية في دمشق كونها مع سدنتها الروس يسعون لسنوات إلى حصر دخول المساعدات الأممية عبر بوابتها، وبالتالي فدخول وفد أممي عبر معبر باب الهوى يؤسّس لمرحلة جديدة سياسية وعسكرية وإنسانية دولية.
اللافت هو دعوة المندوبة الأميركية بعد الزيارة إلى إبقاء معبري باب الهوى وباب السلامة مفتوحين أمام قوافل الإغاثة الإنسانية الدولية، وهو ما سيُضعف الموقف الشرعي للعصابة الحاكمة في دمشق، ومن خلفها الروس الذين نجحوا لسنوات طويلة في حصر إدخال الدعم الإنساني الإغاثي عبر بوابتهم؛ مما يعني ويؤشّر إلى مرحلة جديدة تختلف عن السابق.
الوفد الأميركي تعهّد بدعم تركيا في عملية «درع الربيع»، التي أطلقتها مؤخراً في سوريا ضد العصابة الحاكمة، ظاهراً وباطناً، ضد الاحتلال الروسي. وتأتي تصريحات حلف «الناتو» وتصريحات واشنطن داعمة لتركيا وموقفها، خصوصاً وقد ارتفعت الأصوات الغربية واصفة ما يفعله الروس في سوريا بـ «الجريمة والاحتلال»، ردّ عليها بوتن برفض عقد قمة رباعية، كما اقترحت ألمانيا، والتي كان من المفترض أن تضم روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا لمناقشة الوضع في الشمال المحرر، فبوتن يريد حصر الأمر في الثلاثي؛ روسيا وتركيا وإيران.
الظاهر أن روسيا -وريثة الاتحاد السوفييتي- تتقن ربما التكتيك وفنونه، ولكن غالباً ما تخسر الاستراتيجية، وهو ما حصل في يوغسلافيا وأفغانستان واليمن، وغيرها من البلدان التي تتواجد فيها أحزاب شيوعية، تماماً كما وصفهم صديقي بأنها مثل فريق الأرجنتين يتقن اللعب ولكن في نهاية اللعبة تكون الهزيمة حليفته.
لقاء الوفد الأميركي في معبر باب الهوى مع أصحاب الخوذ البيضاء ردّ واضح ومباشر على الدعايات الصفراء الروسية التي تتهم الخوذ البيضاء بالإرهاب، بينما الكل يعلم ويتابع أن الخوذ البيضاء -المدعومة من الغرب- لعبت دوراً رائعاً تفتخر به الثورة السورية وكل داعميه بإنقاذها أرواحاً كثيرة وتخفيفها آلاماً رهيبة ناجمة عن القصف الهمجي الاحتلالي الذي يستهدف المشافي والأسواق والمساجد لسنوات.
الكتابة اليوم على الجدران واضحة لكل من يحسن القراءة والكتابة، وهي أن مرحلة مقبلة جديدة تتشكّل مختلفة عن سابقتها، فتحرك الأتراك عسكرياً سيرافقه دعم غربي ضد القوات الروسية، لا سيّما مع تصاعد الحديث الغربي عن الجرائم الروسية التي تستهدف تفريغ المدن والقرى والبلدات من أهلها، وخلق قنابل مشردين موقوتة تستهدف أوربا كلها، زادت مخاوفه وجديته بعد فتح تركيا الحدود أمام اللاجئين باتجاه أوروبا.
وسوم: العدد 867