وقف الأعمال الحربية ضد الشعب السوري، والنكث الروسي - الإيراني - الأسدي
القيادة السياسة العملية لا تخنق نفسها في الماضي . وكثير من الناس كانوا أغنياء وصاروا فقراء ، فالذين اقتنعوا بواقعهم وبنوا عليه ، وانطلقوا منه عاشوا وكثير منه استمروا وأنجزوا ، والذين ظلوا يعيشون عقدة الباشوية ضاعوا وضيعوا ..
الموقف السياسي يبنى عمليا على معطيات الحاضر ، مع استشراف المستقبل ، بكل إمكاناته ومحفزاته ووعوده .
ولقد كان 30/ 9 / 2015 نقطة تحول رئيسية في مسار الثورة السورية . التاريخ الذي اقترن بدخول الجيش الروسي المحتل والمستعمر إلى سورية ، واصطفافه مباشرة إلى جانب العصابة الأسدية ، والميليشيات الصفوية . فقد أحدث هذا التدخل الروسي ، مع غطرسته وتوحشه وامتلاكه لترسانة أسلحة هي الأولى على مستوى العالم ؛ فرقا استراتيجيا ضخما في موازين الصراع .
وزاد من جسامة هذا الفرق انفلات هذا المتغطرس المتوحش بآلته العسكرية من كل قيمة إنسانية أو أخلاقية أو أي التزام بقانون أو ميثاق دولي ، دون أن يجد رادعا دوليا أو استراتيجيا يردعه عن ارتكاب كل ما يريد ومتى يريد وبالطريقة التي يريد ..
في الحقيقة إن هذا التدخل الروسي ، ولن ينفعنا وصفه بكل ما في معاجم لغات العالم من مفردات الهجاء ؛ كان يقتضي من المعارضة السورية ( السياسية والثورية ) وقفة مفصلية متأنية ، لإعادة دراسة الموقف وتقديره ، وإعادة تبني الاستراتيجيات العملية . ولكن مع كل الأسف استمر مرير الحالة الجماهير العفوية العاطفية ، التي تفقد القدرة ، بسبب عفويتها وانفعاليتها وتشتتها ، عن التوحد والريث وإعادة التفكير والتدبير . وظل السوريون يواجهون كل المتغيرات بالروح العاطفية ، والشعارات الحماسية ، والتلويح القبضات المشدودة ؛ وكان هذا في الحقيقة ما يراهن عليه الروسي والإيراني والأسدي على السواء .
ربما كان أثر الدخول الروسي ميدان المعركة في سورية إلى جانب بشار الأسد موازيا إلى حد كبير ، في قلب موازينها ، بدخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية بعد قصف اليابان الميناء الأمريكي في بيرل هاربر..
وبدخول الروسي الميدان نفض أكثر أصدقاء الشعب السوري على مستوى العالم وعلى مستوى الإقليم أيديهم عمليا من نصرة الثورة السورية ، بعضهم تواطئا وبعضهم تخاذلا ..
ولله ثم التاريخ أكتب ..
وبينما أدار العقلاء الذين يجب أن يتحملوا المسئولية التاريخية عن التغير الخطير في موازين الحرب ظهورهم لأي عملية استدراك أو تدارك ، وحافظوا على تماهيم مع الحالة العفوية الجماهيرية ؛ فإن الذي حاول أن يستوعب الموقف ويتكيف معه ، في حدود الممكن ويتحمل مسئولياته هو الشقيق التركي ، ولن أسميه في هذا السياق لا حليفا ولا صديقا .
القد استشعر الشقيق التركي ، مع كل ما فرضته عليه الجيوسياسة ، والمعطى الدولي، المسئولية على خلفيات مناطاتها المتعددة الشرعية منها والثقافية والإنسانية والأخلاقية فتحمل كل ذلك طائعا مختارا وما أكتب دهانا لأحد ، تحمل المسئولية الكاملة عن الإدراك ، والاستيعاب ، وأخذ المبادرة ..
وقد يكون لنا كسوريين ملاحظات كثيرة على هذه المبادرة . ولكن مسئولية كل هذا تقع على عاتقنا وليس على عاتقه . إلا إذا اعتبرنا أنفسنا أيتاما أو قاصرين !!
ومرة أخرى كانت المبادرة مبادرة المضطر في دائرة الممكن ، تحت ضغوط كل المعطيات ..
ومرة أخرى وحسب منطق كل الحقائق الوجودية الإنسانية فإن مركز الموقف التركي كان هو الدفاع عن تركية ومصالحها وحدودها وجوارها ..وكل أولئك يقع في فضاء مصالح الثورة والمجتمع السوري ، ومن ظنّ غير ذلك ، أو ادعى غير ذلك فقد انخدع أو خدع .
وحين وصلنا إلى أخر عام 2016 ، وبعد عام وربع العام ، من اتباع بوتين سياسة الأرض المحروقة على كل الأرض السورية ، وحين وصل المخطط الروسي إلى حلب ، كانت القيادة التركية قد استشرفت كل شيء ، وأدركت كل شيء ، ورأت في أستانة وفي حدود حقيقة " أن السياسة فن الممكن " في الذهاب إلى أستانة بكل ما فيها مخرجا أقل سوء للثورة السورية ، وللسوريين .
وكان " وقف جميع الأعمال الحربية " أو "ماسمي خفض التصعيد" هو جوهر كل ما اتفق عليه هناك . وقف الأعمال الحربية ، والاستمرار في الحل السياسي حسب 2054 حتى يصل السوريون إلى حل . يعني أن يفاوض الثوار السوريون وفي أيدهم القلمون والغوطة وحوران وإدلب وكل مناطق الشمال ..أي ثلاثة أرباع الأرض السورية تقريبا .
وكنا ممن رفض أستانا ورفض سوتشي ..وكان مسوغنا في الرفض أننا لا نثق بالروسي ولا نقبل به ضامنا ، ولا نثق بالإيراني ولا نقبل به ضامنا . ولا نثق بما يحكى عن خفض التصعيد ..
وكان مسوغنا في الرفض أن الممكن بالنسبة إلينا كمعارضة وكثورة سورية أوسع دائرة وأبعد مدى من الممكن بالنسبة لغيرنا ..ولا أحد يملك لنا من الأمر شيئا ، إن تقاعسنا وضيعنا وفرطنا أو تواكلنا ..
يقول التركي ضمنا : هذا الذي أقدر عليه ..
يتذرع الكثيرون من حملة مسئولية القرار الثوري بوجهيه : بالسلبية العدمية . ويظلون يرددون : مصممون على الذهاب إلى الحرب بمعنى مصممون على الذهاب إلى الانكسار ، وغير مبالين بتداعيات المشهد ، ولا بتدارك مقدمات الانكسار .
من حق رجل مثلي أن يقول : لم نكن مع أستانة ..
وكذا وبكل الوضوح والصراحة لم نكن مع الاستمرار في المعركة الخاسرة ، على استراتيجية ما كان قبل ، لأنه محسوم النتائج عقلا أمام كل بصير .
وكان قلب الطاولة على الاحتلال الروسي ، بتغيير جذري لاستراتيجية من حرب مواجهة إلى حرب مقاومة مسئولية بعض الناس الذين يجب أن يعرفوا أنفسهم جيدا ..
ومنذ سقوط حلب في أواخر 2016 وحلقات السبحة تكر . كل العقلاء يعلمون مسبقا أن المواجهة حسب المعطيات القائمة ، ليست بمصلحة الثورة والثوار ..
كل مناطق خفض التصعيد تم اختراقها وحرقها بذريعة من تعلمون , ولكن بعد أربع سنوات لم يستطع كل العقلاء والراشدين من السوريين الأحرار أن يجدوا مخرجا لهذه الذريعة فيسحبوها من أيدي المتوحشين .
منذ خمس سنوات ووقف الأعمال الحربية على كل الجبهات هو مطلب كل المهتمين.
وكل هذه الأعمال محسومة علميا وعسكريا لمصلحة من تعلمون .
والحرب علم كما تعلمون ..
وأنا رجل شعر وأدب ، وأكثر ما يعجبني من الشعر شعر الغزل . وأحفظ عن ظهر قلب قصيدة عمر بن أبي ربيعة أمن آل نعم ..وقصيدة جميل : وقوله : ألا ليت أيام الشباب جديد ..
ولكن سبق في أيام الصبا والجمال أن قرأت كتابا عنوانه " علم الحرب " كان في الفترة التي قرأته فيها من أجمع ما كتب في الباب ..
كما قرأت بعده كتابا عنوانه " الحرب الثورية " أندرية بوفر ..
كلا الكتابين يقولان إن الذين يديرون معركتنا في سورية يجب أن يتعلموا أولا ألف باء العلوم أو أن يحفظوا جدول الضرب فيها ، لكي لا يكونوا موضوعا للقسمة .
وقف الأعمال الحربية في سورية ومن كل الفرقاء مطلب استراتيجي وسياسي وهو في ظل انتشار فيروس كورونا مطلب وطني وإنساني ..
وفي الخبر اليوم أن عصابات الأسد ما تزال تقصف ..
ويزعم الروس أن طائرة ورقية هاجمت قاعدة حميميم ...
ولعلكم تعلمون لماذا ..
( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ )
وسوم: العدد 869