بعض سلوكات الناس في مجتمعنا المغربي مع حلول جائحة كورونا
لن نذهب بعيدا مع المتنبئين أو المنجمين الراجمين بالغيب فيما سيكون عليه الناس مستقبلا بعد انجلاء جائحة كورونا التي حلت بالبشرية في كل أرجاء المعمور، لأن ذلك من غيب الله سبحانه وتعالى ، ومن السابق للأوان أن يجزم أحد بما سيكون عليه الحال اعتمادا على ما هو كائن ، لهذا سنقتصرعلى رصد بعض ما استجد في سلوك الناس في مجتمعنا المغربي .
من المعلوم أن السلوك العام المهيمن ،والذي تشترك فيه البشرية على اختلاف أقطارها وثقافاتها ومعتقداتها هو الخوف من هذه الجائحة ، وهو سلوك بشري طبيعي ومتأصل في بني آدم ، وهو ما يوحدهم حينما يهددهم خطر يكون من غير أنفسهم .
ولن نفصل القول في درجات هذا الخوف ،لأن خطر الهلاك يجعل الناس سواسية فيه مع اختلاف في أشكال التعبير عنه حسب ثقافاتهم ومعتقداتهم، ذلك أنهم ليسوا سواء في تعاملهم مع الحجر الذي يعتبر مؤشرا دالا على الاحتراز خوفا من الجائحة ، فعلى قدر الوعي والعلم بدرجة خطورتها يكون حجم الأخذ باحتياط الحجر ، وليس عالم شيء مثل من جهل كما يقال .
والناس في مجتمعنا المغربي في تعاملهم مع الحجر نوعان : نوع ملتزم به ، و آخر مستهين به . وعندما يتجول الإنسان في كل حاضرة من حواضرنا يلاحظ أنه حيث توجد أحياء ساكنة على درجة من الوعي بخطورة الجائحة تكاد تكون خالية في أغلب الأوقات ، بينما غيرها من الأحياء حيث يقل وعي ساكنتها بتلك الخطورة توجد فيها حركة في كل الأوقات . ولا شك أن هذا الوعي يعزى إلى مستويات الناس المعرفية ، وهي مستويات لا علاقة لها بطبيعة الأحياء فقرا أو غنى ،لأنه قد يوجد حتى في الهامشي والصفيحي منها ، وقد لا يوجد في الراقي منها.
ولا بد من التمييز بين عدم الملتزمين بالحجر استهانة بخطورة الجائحة وبين المضطرين إلى ذلك بدافع طلب قوتهم اليومي ، فمن هؤلاء من هم على وعي تام بالخطر الذي يتهددهم ، وهم يعيشون خوفا مضاعفا من جائحة ، ومن مسغبة ، فهؤلاء لا يمكن أن يفسر عدم التزامهم بالحجر كما يفسر سلوك الذين يستهينون به ، ويرون في ذلك تحديا للمجتمع ، ومحاولة لإثبات ذواتهم ، وعليهم تنطبق مقولة " خالف تعرف " ، وغالبا ما يكون هؤلاء من الأغرار أوالفاشلين في حياتهم الناقمين بسبب ذلك على غيرهم ، وقد وجدوا في ظرف الجائحة فرصة للتعبير على عقدهم بمخالفة إجراء الحجر ، وكأنهم يريدون تهديد غيرهم بسلوكهم الشاذ ، وهم يتلذذون بذلك مع أنهم لا يمكن أن ينكروا في قرارة أنفسهم أنهم خائفون كغيرهم أو أكثر خوفا ، ومع ذلك يتمادون في تهورهم . وقد تصدر عن بعضهم بعض التصرفات أو بعض العبارات الساخرة التي يحرصون على إسماعها لمن يمر بهم ،ويرومون من ورائها شد الانتباه إلى بطولتهم الزائفة كما يعتقدون .
ومن السلوكات الملاحظة ما هو إيجابي ولم يكن ملحوظا من قبل كاحترام الناس أدوارهم أمام المرافق العامة من أسواق ممتازة ، أو متاجر أو إدارات ...أو غيرها وقد كان السلوك الغالب علينا هم التنافس في الازدحام في طوابير تسودها الفوضى والتدافع مع عدم احترام الغير وبكثير من الأنانية ،والأثرة ، والتعالي . ونأمل أن يظل هذا السلوك سائدا بعد انجلاء الجائحة إن شاء الله تعالى.
ومن السلوكات الإيجابية أيضا حصول نوع من التعاطف بين الناس ،ويتجلى ذلك من خلال عبارات المواساة والتي تكون غالبا في شكل أدعية متوجه بها إلى الله عز وجل والتأمين عليها بصدق لا غبار عليه ، ذلك أنه لا يكاد الواحد يدعو برفع بلاء الوباء حتى يجهر كل من يسمعه بالتأمين ، وهو سلوك ينم عن تراحم يقتضيه ديننا الحنيف ، ولا يخفى ما له من أثر محمود في النفوس .
ومن السلوكات الإيجابية الملاحظة أيضا الالتفات إلى المحاويج والإحسان إليهم ،الشيء الذي يعكس التعاطف معهم ، وقد جعل ظرف الجائحة القلوب أكثر رقة من ذي قبل، ونأمل أن يستمر ذلك إن شاء الله تعالى بنفس الوتيرة .
ومن السلوكات الإيجابية أيضا ازدياد متانة الروابط الأسرية حيث فرض ظرف الحجر ، وتوقف الدراسة و كثير من الأعمال والوظائف لزوم الآباء والأمهات أبنائهم مددا زمنية لم تكن متأتية من قبل، الشيء الذي ترتب عنه مزيدا من الدفء الأسري إلى درجة أن الروح الفكهة المعروفة عند المغاربة جعلتهم يعبرون عن ذلك عن طرق نوادر منها على سبيل المثال قولهم أن إحدى الزوجات قالت : لم أكن أعرف أن زوجي على هذه الدرجة من الظرف ، وقولهم أن أحد الأزواج قال : لم أكن أعرف أن زوجتي على هذه الدرجة من الرقة ... وغير ذلك من النوادر التي تروم التعبير عما في ظرف الحجر من لمّ لشمل أفراد الأسر الذين كانت ظروف العمل أو الدراسة تحرمهم منه .
ومن الإيجابيات أيضا تجربة التعلم عن بعد ، وهي تجربة جديدة فرضت على أولياء أمور الناشئة المتعلمة الجلوس بجوار أبنائهم ومشاركتهم تعلمهم رقميا عن بعد ، وبذلك صار هؤلاء يطلعون على ما يدور بين المعلمين والمتعلمين ، وهو ما لم يكن متاحا من قبل ، واختلفت العطلة التي فرضها الحجر عن سابقاتها حيث لم تخل من دراسة عن بعد . وقد توطدت العلاقة بين المتعلمين ومعلميهم وتجلت في تبادل عبارات الاحترام والمجاملات أثناء الدراسة كما نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي . ونأمل أن يستمر هذا التواصل الرقمي حتى بعد عودة الدراسة المعتادة .
ومن الإيجابيات أيضا أداء الواجبات الدينية وعلى رأسها واجب الصلاة، لأن الأذان لم ينقطع فهو يرفع عند حلول كل صلاة ، ولا يوجد ما يدعو إلى تأخير أداءها والناس في حجر ، كما أنهم يجتهدون في أداء النوافل من صلاة وصيام تطوع وهم في شهر شعبان وعلى موعد مع شهر الصيام . وتقوت الصلة بينهم وبين خالقهم فأقبلوا على دعائه والضراعة إليه أكثر من ذي قبل آملين أن يرفع عنهم بلاء الوباء .
ومع كل هذه السلوكات الإيجابيات لا يمكن إنكار بعض السلوكات السلبية منها الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي ، وقد فرض ذلك ظرف الحجر ، مع أن هذا الإدمان كان ملاحظا قبل هذا الظرف ولكنه زاد حجمه ، والمؤسف أن بعض الناس يتعاطون بعض المعلومات التافهة و المضللة كما هو الشأن بالنسبة للذين يبثون فيديوهات أو مقاطع مسموعة يزعمون فيها أنهم اكتشفوا دواء لهذا الوباء ، ويقدمون وصفات علاجية وهمية تكون عبارة عن أعشاب أو غيرها تستنشق أو تتجرع. ومنهم من اتخذ من هذا الأمر موضوع تندر، فوصف للناس مأكولات ومشروبات لوقاية أنفسهم من الوباء . ولا تخلو فيديوهات وتسجيلات صوتية أخرى من جد يكون عبارة عن نصائح لأطباء متخصصين ترفع من معنويات الناس وتعيد الطمأنينة إلى أنفيهم دون أن تخلو من تحذيرات معقولة وعلى جانب كبير من الأهمية .
ومن السلوكات الإيجابية أيضا التعبير عن التقدير الكبير للعاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وغيرهم والإشادة بتضحياتهم وشهامتهم ، وكذا العاملين في قطاع الأمن الساهرين على أمن وسلامة المواطنين والتعاطف معهم والإشادة بتضحياتهم وبرباطهم ليل نهار ، وهو ما لم يكن بهذا الشكل من قبل . ولقد نقلت بعض الفيديوهات مناشدات بعض عناصر الأمن وهم يتوسلون بأساليب في غاية الرقة والأدب إلى المواطنين للالتزام بيوتهم حرصا على سلامتهم و على حياتهم . ونأمل أن تستمر تلك النظرة إلى رجال ونساء قطاع الصحة والأمن بعد زوال البلاء إن شاء الله تعالى .
ولو أردنا أن نعدد ما جعل الله تعالى مع هذه الجائحة من نعم لما توقفنا عند حد ، ونسأله تعالى أن يجعل من أصيبوا بالوباء وكان سببا في حلول آجالهم التي هي بيده جل وعلا شهداء عنده ، وأن يطهر من مرضوا، ويعجل بشفائهم ، وأن يحفظ الجميع منه ، وأن يبدل خوفهم أمنا إنه سبحانه وتعالى رءوف بعباده.
وسوم: العدد 871