الأمل والتفاؤل في زمن المحنة
تلعب الحالة لنفسية للإنسان والجماعة دورا كبيرا في مواجهة التحديات الكبرى وتجاوز الأزمات الخطيرة، لذلك على كل واحد أن يبعث برسائل الأمل و التفاؤل ويستبدل الحروف ليحوّل الألم إلى أمل، وبث هذه الرسالة لا يعني تسويق الأوهام والتغرير بالناس، بل هي رسالة تترافق مع التصريح بالحقائق والأرقام والإحصائيات مهما كانت سلبية، لا لإنكار الواقع المتأزم ولكن للإستعلاء عليه بالإيمان.
أجل، المصاب جلل والخطب كبير: طُردنا الوباء (مؤقتا) من المساجد ومنعنا من الاجتماع بالأقارب والأحبة، وقبل هذا توقف لأول مرة في التاريخ الطواف حول الكعبة، أول مرة يُلغى الحج...لعلها رسالة السماء إلى الأرض تنبه أهلها إلى أنهم غيّروا فغيّر الله حالهم، حدث هذا لأول مرة، وقبله ولأول مرة فُتحت الملاهي ونوادي القمار في الحرم، كما زُج بالعلماء في السجون وفُسج المجال للفنانين "يلهبون" الجماهير بأغانيهم المعروفة، والله تعالى يقول "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة"، الفتنة – أي الابتلاء – عامة لا تُصيب الفجار وحدهم خاصة إذا سكت علماء الدين عن قول كلمة الحق، بل خاصة إذا حرّفوا كلام الله فسكتوا عن قول الحق ونطقوا بالباطل وأيدوا الإنحراف...ما كان أحد يتصوّر أن يمتد التغريب إلى الحرم المكي والمدني، لكنه وقع، فكأنه أثار غضب الله...والمطلوب إذًا أن نتوب نحن المسلمين ونحفظ الدرس ونعود إلى الله في الحرميْن وفي كل مكان...نحن مسؤولون عن البشرية "لتكونوا شهداء على الناس"، فلعلّ توبتنا ترفع البلاء عن الإنسانية كلها..وفي أثناء كل هذا نتسلح بالأمل والتفاؤل كما تعلمنا من القرآن والسنة.
روى ابن هشام أن الصحابة اعترضتهم صخرة كبرى مستعصية وهم يحفرون الخندق حول المدينة فاستنجدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فحمل الفأس وكلما هوى به على الصخرة قال " الله اكبر فُتحت فارس، الله اكبر فُتحت الروم" يقول هذا والواحد منهم لا يستطيع الخروج وحده لقضاء حاجته من شدة الخوف من العدوّ المتربص الذي يحيط بالمدينة ويتحيّن الهجوم عليها لاتسئصال أهلها، وقد أنهكهم التعب والحصار حتى إنهم لا يجدون الطعام...كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبث رسالة الأمل والتفاؤل لأنه يوحى إليه ونحن نبث تلك الرسالة لأننا نرى الفرج بعين رسولنا صلى الله عليه وسلم...وقد زال عنهم الحصار وتحققت النبوات كلها.
- "فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون": هم وصفوا الواقع الماثل الذي لا يترك لهم خيارا بين البحر الذي وصلوه والعدوّ الذي يتعقبهم ، أما موسى فد قال ردّا عليهم "كلا إن معي ربي سيهدين"...إنه يقين المؤمن وإيمان المؤقن...الأمل والتفاؤل حتى النهاية، وقد تدخلت العناية الإلهية فنجوا وهلك عدوهم القوي المتجبر.
- "إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"... " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟"، لم يقل هذا في ساعة اليسر والسعة وإنما قاله والعدو قاب قوسين أو أدنى من الإمساك بهما، وقد كانت النجاة والحمد لله.
هذه نماذج من بث الأمل والتفاؤل في ساعات العسرة والضيق والمصير المجهول، تلاشت فيها الأسباب ولم يبق إلا التجريد، أما نحن فنأخذ بالأسباب لأنها متاحة في شكل وقاية واحتياط وعلاج، ونتوكل على الله تعالى لأن الموت لا يحصد أثناء الوباء وحده بل لا يتوقف طول الأزمنة، لكن لحياة أكبر منه بفضل الله، الفرق الوحيد هو أن الامتثال للإجراءات الصحية واجب ديني ودنيوي والإخلال به معصية ومخالفة.
سنتعافى إن شاء الله ونعود إلى مساجدنا وحجنا وعمرتنا وحياتنا الطبيعية، ونكون قد وعينا الدرس وحفظناه فازددنا من الله قربا وأصلحنا شأننا معه وفيما بيننا.
وسوم: العدد 871