الحب في زمن كورونا .. متحدون ضد الوباء – متعاطفون مع ضحاياه
يقولون : إن الحروب تخرج من الإنسان أسوأ ما فيه . ففي الحروب تظل يد قابيل المبسوطة بالقتل ، مستعلية على صبر هابيل المتشح بالسلام .
ويقولون : إن المحن والمصائب تخرج من الإنسان أنبل ما فيه . فالغريب للغريب نسيب . وقد قضى الله أن يؤلفنا الجرح . وما أجمل ما قال شوقي يخاطب نائح الطلح شريك الغربة والدمعة :
وإن يك الجنس يا ابن الطلح فرقنا .. إن المصائب يجمعن المصابينا
فكلما عظمت المصيبة ، تقلصت الهويات الفرعية ليصبح الجرح هوية تشمل كل المصابين ، وتبقى الإنسانية الرحم التي تجمع كل الناس ، تحت عناوين وارفة سابغة من مثل : يا بني آدم ، ويا أيها الناس ...
الرسول الرحمة :
وقال ربنا لرسوله الكريم ، فنفى وحصر فقصر : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ..ذلك هو جوهر الرسالة ، وقوامها ، وحقيقتها ، فمن كان حاملا فمؤديا فليحمل ، أو فليدع .
ولقوله تعالى ( رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) دلالة طليقة مفتوحة متعالية متسامية ، حار في كنها كثير من المتكلمين !!
ليس سهلا على عقل المسلم وقلبه أن يجد بعض الناس متحالفين مع الوباء ، والأعجب أن يفعل بعضهم ذلك باسم الإسلام !! وربما أكثر المواقف إثارة للريبة ، ودفعا لإعلاء جدر الحساسية : الاختلاف في الساحات الأولية للمشاعر الإنسانية ، أن نختلف ، فيرى بعضنا الجميل قبيحا !! والكره الضروري جميلا !!
لتبقى الوحدة الشعورية ، في فضاء المواقف الإنسانية أفقا متساميا مفتوحا مطلقا ، لا تدعو إليه حاجة ، ولا تلجئ إليه ضرورة ، ولا يتوسل به إلى شيء ..بل تبقى المشاعر المعبرة عن الأمل والألم هي خط اللقاء الأول أو إذا شئت الأخير بين البشر ..
مرضى القلوب وحدهم هم الذين يحبون أن ينزل الأذى بالناس، الذين تقوم رؤيتهم ورسالتهم على أنهم جاؤوا لصب النقمة على الناس . رجال يحملون بأيديهم أو على أطراف ألسنتهم ، مثل أذناب البقر يغدون في سخط الله ويروحون في لعنة الله ، يظنون أنهم خُلقوا لإيقاع الشر في البشر ، وإلحاق الأذى بهم ، ويظلون يرددون على طريقة أهل الغلو : نعجل بالمؤمن إلى الجنة وبغيره إلى النار !! وقد كان هذا فقههم منذ قتلوا أمير المؤمنين عثمان ثم ألحقوه بأخيه علي ..
مريض القلب الذي يرى سيارة تدهس هرة في شارع فيفرح ويغتبط لأن الهرة بيضاء وهو لا يحب القطط البيض ، أو سوداء وهو لا يحب القطط السود !!
مرضى القلوب هؤلاء الذين يرون في فيروس كورونا جنديا من جنود الله ، جاء لينتقم لهم هم . وقدر القدير وحكمة الحكيم فوق ما يزعمون : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )
مرضى العقول والقلوب والنفوس هؤلاء لسنا منهم في شيء .. كلمات يجب أن يجهر بها كل سليمي العقول والقلوب من المسلمين ..!!
جوهر رسالة نبينا : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ..وأكدوا في تفسيرها : رحمة للناس أجمعين مؤمنهم ومسلمهم طائعهم وعاصيهم وغيرهما من أهل الأرض أجمعين ..
ونحن اليوم إزاء كل ما ينزل بالإنسانية من وباء ومرض وألم وموت وفواجع : نؤكد أننا ..
- متحدون ضد الوباء في موقف إنساني جامع لإخراج الإنسانية من الكرب التي هي فيه . متحدون ضد الوباء نحاربه ما وسعتنا الحيلة، وما ملكنا من جهد
- وندرك بإنسانية متعالية مستشرفة أن الحرب على هذا الوباء وعلى كل الخطوط هي حرب عليه على خطوطنا الأولى في الوقت نفسه. فهذا الفيروس لا يميز زمانا ولا حدودا ولا هوية ..
- نعلن تعاطفنا مع ضحايا الوباء مهما اختلفت الهويات ، ورسالتنا لأولياء الضحايا تأساء وتعزية . جبر الله الكسر وضمّد الجراح ، وألهم المفجوعين الصبر والسلوان ..
- دعاؤنا : لكل مصاب بعاجل الشفاء ..ولسائر الناس بالسلامة والحفظ .
- أيها الناس جميعا نحب لكم من الإيمان والخير والسلامة والحفظ ما نحب لأنفسنا. ولا يكتمل إيمان المؤمن منا حتى يعمر هذا الحب عقله وقلبه..
ولكن عافيتك يا ربنا أوسع لنا ..
ارفع البلاء والوباء عن الخلق أجمعين ..
وسوم: العدد 871