قبس من شعر الإمام الشافعي يغني أحرار وحرائر أبناء وطني الغالي عن الرد على كل سفيه همزة لمزة
لا تخلو أرض الله عز وجل من السفهاء ، وكل من خفّ عقله ، وعظم جهله ، ولم يحسن التصرف مع نفسه قبل غيره ، وكان عدو نفسه ينال منها ما يناله العاقل من عدوه يعد سفيها، والسفاهة كاسمها كما قال الشاعر النابغة الذبياني .
ولقد ورد في كتاب الله عز وجل ذكر وجود هؤلاء في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :
(( سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )) .
وقد جاء في كتب التفسير أن هؤلاء السفهاء هم خليط من يهود ومنافقين . والشاهد عندنا في هذه الآية الكريمة أن السفه وجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وجد قبله في عهود الأنبياء السابقين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولا غرابة أن يظهر اليوم في شبه جزيرة العرب كما ظهر فيها بالأمس ، وسيستمر ظهوره طالما وجد من يتعاطونه . ولا يتعاطى السفه إلا من قلت مروءته ، وضل سعيه ، وأكل الحسد كبده فحرّقها تحريقا . أليس سفهاء اليهود قد أخرجهم الحسد عن أطوارهم فقالوا ما ولّى المسلمين عن قبلة بيت المقدس إلى قبلة بيت الله الحرام التي أنعم بها الله عليهم ؟ وكان ذلك طعنة قوية في عقيدتهم المحرفة، وهم الذين كانوا يباهون ويفاخرون ببيت المقدس مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به منهم، وقد جمع له الله عز وجل الأنبياء والرسل فأمّهم فيه ، كما كانوا يرون أن لهم فضلا على المسلمين وهم يتخذون المسجد الأقصى قبلة لهم ، فلمّا تحولوا عنه إلى المسجد الحرام ضاع من سفهاء اليهود ما كانوا به يفاخرون، فأعمى حينئذ الحسد أبصارهم وبصائرهم ، وما هم بأهل بصائر ولا أبصار ، وسايرهم سفهاء المنافقين فيما قالوا حسدا من عند أنفسهم، وهم بذلك مجرد حثالات الناس في متابعتهم سفهاء اليهود وتقليدهم التقليد الأعمى .
ولا يختلف السفه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سفه هذا الزمان ، وقد ظهر في شبه جزيرة العرب من ركبوا سفههم ، وحنوا إلى أسلافهم السفهاء من المنافقين في موالاة سفهاء اليهود في هذا الزمان أيضا الذين احتلوا أرض المسلمين وشردوا أهلها ، وهم على ما كان أسلافهم من حقد دفين على المسلمين ومن حسد لا يخبو أواره في صدورهم .
ومن سفهاء شبه جزيرة العرب اليوم فئة لا شغل لها سوى الهمز واللمز في أعراض المسلمين ، وهم عيّابون ، طعّانون ،مغتابون ، بهت ـ بضم الباء والهاء ـ ، ضحكات ـ بضم الضاد وفتح الحاء ـ ، ومن هؤلاء أخسهم مع أنهم كلهم خسيس الذي أطلق لسانه في أعراض أبناء طارق بن زياد والمولى إدريس عليهم رحمة الله تعالى من المغاربة الشرفاء الذي احتضنوا الإسلام وأوصلوه إلى بلاد الأندلس، وقد ظل بها قرابة تسعة قرون .
ولقد كان هو ومن سفه نفسه من أمثاله يحلّون ضيوفا على المغرب تستهويهم طبيعته الخلابة ، وطيب هوائه وعذوبة مائه ، وخفض عيشه ، وحسن ضيافة أهله ، وما لا يعد من أفضاله عليهم إلا أنهم من لؤمهم كانوا يفدون عليه بنوايا خسيسة سيئة تروم النيل من الأعراض ، ولم تكن زيارتهم له كزيارة المغاربة الشرفاء لأرض الحجاز والذين كانوا يفدون عليها حجّاجا تبلّ الدموع نحورهم شوقا إلى بيت الله الحرام ، وإلى قبر رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم حتى أن عموم هذا الشعب الأصيل كان يقبل رأس من يعود من زيارة تلك الأرض التي باركها الله عز وجل . وكان هذا الشعب المسلم المحافظ يظن أن كل من جاء من شبه الجزيرة العربية هو على تقوى السلف الصالح حتى تنبه إلى أنه لا زالت للسفهاء ذرية تحج إلى المغرب وغيره من بلاد الإسلام ليس لصلة رحم ، ولا لإعطاء المثل في التقوى والورع بل للسفه ، والعربدة، والتهتك ، والكبت الجنسي ـ شرف قدر القراء الكرام . وبعد نقلهم لوباء الرذائل كما ينقل الذباب القذى إلى بلدان مسلمة محافظة، صاروا يعيرون غيرهم بعيوبهم ، وينهشون أعراضهم نهش الكلاب المسعورة ، و لدغ الثعابين المسمومة ،لا يرعون في مسلم ولا مسلمة إلا ولا ذمة ، واتخذوا من إعلامهم المنحط الساقط الردىء مطية للهمز واللمز ومنهم مثل من قال فيه المولى جل شأنه : (( ولا تطع كل حلاّف مهين همّاز مشّاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم عتّل بعد ذلك زنيم )) ،وقد جمع له الله عز وجل كل وصف ذميم ، فهو مداهن لغدر فيه ، ويحلف على الكذب ، وهو حقير ، وهوعيّاب لغيره ، ومغتاب له ، ونمّام ، ولئيم، ومفحش ، ولا أصل له ولا عرض بل هو دعي في قومه ، وما أشبه أخنس اليوم بأخنس الأمس.
ونربأ بخيار شبه جزيرة العرب من الصالحين الأتقياء أن يكون منهم أو فيهم أمثال هذا الخبث الأخنس الزنيم .
ولقد أشفقت على أحرار وحرائر وطني الحبيب من إضاعة وقتهم الثمين، وهو الذهب الإبريز في الرد على الأخنس الزنيم ، ورأيت أن أثير انتباههم إلى وصية الإمام الشافعي رحمه الله تعالى التي يقول فيها :
إذا نطق السفيه فلا تجبه = فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرّجت عنه = وإن خلّيته كمدا يموت
ولهم فيها ما يكفيهم مشقة الرد عليه ،لأنه قد يجد السلوى وما يخفف عنه في ذلك ، وأولى له أن يترك كمدا يموت . ورب سكوت على سفيه أمض عليه من رد .
ولولا خيار أهل جزيرة العرب لقلت فيه شعرا تسير به الركبان ، ولكن موت الكمد خير له ولأمثاله من ذلك ، وأربأ بشعري الذي وقفته على مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى الدفاع عن أرض فلسطين ، وعلى القيم الإسلامية العالية أن يكون هجاء سفيه نكرة قد غشيته التفاهة والدناءة والخسة
وسوم: العدد 875