السعلاة ومناصرة الطواغيت
مآسي العالم الإسلامي قصص تتناقلها الأفواه، ووتتحدث بها المجامع، تنشرها القنوات في كل محفل، ويجترها الإعلام في كل مقام، فالغرب البغيض لم يدع غرضاً لإذلال أمة الإسلام إلا طرقه، ولا ضرباً من التنكيل بأتباع النبي الخاتم إلا خاض فيه، حتى بات أهل القبلة لا يشكون حُباً، ولا يبثون صبابة، للعزة القعْساء المؤثلة في حنايا دينهم، فالغرب الذي تقمص لباس العز قد اجتلى اليوم مكانة يصعب أن يتسامى إليها من عنت وجوههم، وخُزمت أُنوفِهم، فأنثى الغول السعلاة التي تشتمل بحلة خبثها في كل وقت، وتلتحف بدثار مكرها في كل حين، ماضية في جعل من يعفر جبهته في التراب خمسة مرات في اليوم مخضود الشوكة، كليل الظفر، أجذم اليد.
إن دسائس السعلاة هي التي جعلت المشير البشير زعيم السودان، وقريع رهطه ذلك الرجل الذي لا ينكص أمام الفتن الجزاف، راحلاً لا يكاد ينزل، وظاعناً لا يكاد يقيم، بعد أن أعلنها واضحة جلية لا لبس فيها ولا التواء، بأن ما ينشده الغرب أمر عظيم الإباء، مُنيف الإرتقاء، وأنّ صراخه المسعور هذا سوف يذوده بالفتور والإهمال، فغايته التى يرومها ينقطع دونها الدرك، وتفنى دونها المهج، فالكرامة والعزة مؤثلة فى دواخل هذا الشعب، وقابعة فى مدارج حسه، فهو يبغض أن يتهضم جانبه، أو يستباح ذماره، وهو ليس فى حاجة بأن يطنب فى مكارم أمة النيلين، أو يغالي فى مناقبها، فلقد نازلتها أنت بنفسك أيها الغرب فى ميادين شتى، واشتدت بينك وبينها الوقائع حتى أقررت بأنها صابرة صامدة على عرك الشدائد، وأنّ أفرادها لم يفطروا على رخاوة العود، وطرواة البدن، وأنت إن تماديت فى ضلالك، وأوغلت فى عمايتك، فحتماً ستلتقى بجيشها اللجب، وكماتها اللائى لا ياْلون إقداما، ولا ينكصون إحجاما، ولا يعرفون انهزاما، سل إن شئت غردون الذى دوخت سنابك خميسه البلدان، وهزم بحنكته ودرايته الشجعان، فسوف يخبرك بأن جيش السودان لا يعَجْمُ عُوده امتهان، ولا يُلِمُّ بعَقوْته هوان، فكيف لى أن أحقق ما تشرئب إليه نفسك وأنا من سطع نجمه فى مسارح الحروب،وشاع ذكره فى ميادين الخطوب، صاحب الساعد المجدول، والعضد المفتول، سليل فرسان الطراد، وحتوف الأقران، وأبناء الطعان، وربيع الضيفان، لا أيها الوغد اللئيم، والنكد الذميم، والوضيع الزنيم، لن أحقق لك طلبك ولو تخطفتنى الطير، وأفترستنى الوحوش، فالحركة الشعبية الخسيسة القدر، السافلة المنزلة، هي أقصر يداً، وأضيق باعاً، وأجبن قلباً، من أن تجسر على منازلة كماة الوقائع، وحماة الحقائق، وليوث الكريهة، دون أن تنفي حسرتها بمناسمتك، وتُسلّي همومها بمثاقبتك.
لقد اعتدت أن تتمتع بمعاناة الشعوب المهيضة الجناح، ولا تجد لذتك إلا فى استرقاقهم، ورؤيتهم قطعاناً تسعى أمامك تمتع ناظريك بالعجزاء، والكحلاء منهم، وتتدعى دوماً بأنك من سددت عوز الشعوب، وشحذت من همم الأمم، وكنت حرباً على الجهل والفاقة والمرض، نعم وهل يمارى فى ذلك أحد؟ لقد نشأ العالم فى مهدك الخشن، ودرج فى مرتعك الضيق، ونفق فى مرعاك الجديب، أيها الغاشم المستبد يا من تجيد حيل الكلام، وحبك الأحلام، قل لى بربك إن كان لك رب تعبده ماذا صنعت بالدول التى احاطت بها المصائب، وسعت فى أغوارها النكبات، والتى مازلت تتدعى بكل صفاقة أن جيشك العرمرم هبّ إليها خفافاً وثقالاً لنجدتها وتحريرها من طاغية جار على رعيته، وأطلق عليهم عقال الظلم، وأحوج أهلها إلى الجلاء والشراد، والتفرق فى البلاد، هاهم الآن ورب الكعبة دائمى الشوق والحنين إلى البهاليل السادة، والحماة الذادة، والكرام القادة، إن الحقيقة الناصعة التى ليس فيها كدر ولا عيب، ولا إفك ولا ريب، أن الأسد الضرغام صدام حسين الذى اشتدت قسوته على العراقيين وعظم تجهمه وفظاظته،كان العراق فى عهده موحد شتات الهوى،لا تجوب فى بواديه ومدنه الشامخة دعاة الهزيمة، وأساطين النفاق، من يوهون أسباب الألفة بين الشيع والطوائف، ويهدون بمعاولهم أركان الود والوئام بين السحن والأعراق، هاهو فى عهدك أيها الخنذيذ المبجل يسير نحو الغاية القصوى من البوار والدمار، بعد أن كان قِبْلة لطرائد البؤس، وأنضاء الفاقة، كان العراق العظيم قبل أن تُشن عليه تلك الحمم الهوجاء الموتورة والتى امتدت لأكثر من عقد ونيف، واحة تقصدها جموع من يكابدون غصص الحرمان، ونوازع الإملاق، يهيمون فى بواديها، ويتقلبون فى أعطافها، صوّب بصرك إليها الآن أيها النذل الحقير لترى ماذا صنعت أراجيفك وترهاتك وحقدك الذى يتنزى فى صدرك تجاه أمة كانت تنعش الذاوى، وتجدد البالى، من مجد رثّت حبائله، وانجذمت أواصره، فلولا أن قيض الله لها حفدة الرشيد والمعتصم لضاع شرف أكيد، ومجد تليد، ودين عنيد، ولغربت شمس بزغت قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولآل سناها إلى زوال، ولدار فى خلدك، ورسخ فى ذهنك، أن كل تلك الأخلاط التي تنزع إلي عرق أصيل، وشرف أثيل، سواء فى الضعة والهوان، حينها كنت سوف تقع فى خطأ فادح أيها المأفون المتحذلق، فالعراق الذى تأخذه نشغات الموت ولن يموت قد أخبرك بصوت متهدج أن شعلة الجهاد لن تخبو، وأنّ أمد الهيجاء سيطول، وأنه قبل أن يقاسى لُهاث الموت قذف بالرأية التى لا ينبغى لها أن تنكس وتلامس ساريتها تراب الأرض، فتخاطفتها الأيادى، واستقرت ناصيتها ولفائفها بين الشام والسودان، فأبشر بالفناء ولو بعد حين.
وسوم: العدد 878