في عيد الفطر: نفرح، ولكن لا ننسى الجرح الغائر
نفرح في عيد الفطر، نفرح أن هدانا الله للإيمان، ونفرح أن أعاننا على الصيام والقيام، ونفرح أن نظُنّ باللّه القبولَ لحسناتنا، والعفو عن زلاتنا.
نعم، نفرح ونعبّر عن فرحنا بالبسمة، وبصِلة الرحم، وبزيارة الأحباب، وبِنِيّة الدوام على الطاعة.
لكن بعض الذكريات تلحّ علينا لأنها حدثت في يوم عيد من أعياد الفطر، وكانت عام 1400 للهجرة، الذي يوافقه يوم الحادي عشر من آب سنة 1980م. إنها مجزرة المشارقة.
المشارقة حي شعبي من أحياء حلب الشهباء، سكانه محافظون طيبون، أهل مروءة وشهامة، وكرم وشجاعة. فماذا عن الجريمة التي وقعت على أهل هذا الحي؟.
جاءت مجموعة من "الوحدات الخاصة" بقيادة النقيب هاشم معلا، حيث أمر القائد جنوده بأن يطوفوا في طرقات الحي وأزقّته، ويطرقوا أبواب الدور باباً باباً، ويأتوا بكل مَن يجدونه من الشباب والرجال إلى القائد الفذ!.
راح الجنود ينفّذون أمر المجرم، وهم لا يعرفون لماذا يريد أن يستدعي رجال الحي. ظنّوا أنه يريد أن يهدّد السكان ويتوعّدهم إذا كانوا يتعاطفون مع المجاهدين.
وكان أهل الحي الطيبون، إذا طرق الجنود أبواب بيوتهم، وهم في أول أيام العيد، يرحّبون بالجنود، ويقدّمون لهم الحلويات، ويطلبون منهم الدخول ليشربوا القهوة معهم ويقوموا بحق الضيافة. فإن التقاليد الشائعة في هذا الحي، وفي أبناء شعبنا عامة، تأبى على المرء أن يطرق بابه طارق ولا يكرمه!.
أخذ الجنود من كل دار شاباً أو اثنين أو ثلاثة، أخذوا كل مَن وجدوا... وساقوهم إلى القائد الجبان. فلما اكتمل تجمّعهم، أمرهم أن يصطفوا وأن يديروا وجوههم إلى الجدار. ثم، وبكل وحشية ونذالة، أمر جنوده أن يطلقوا النار على هؤلاء الأبرياء. وانطلق الرصاص يخترق الأجساد، وتدفقت الدماء ذات اليمين وذات الشمال، وسقطت الجثث تتلوّى، وتعالت الصيحات بالتكبير والتهليل، وارتفعت أرواح ثلاثة وثمانين شهيداً إلى الجنة، بإذن الله.
إنها جريمة لا تقلّ قبحاً وفظاعة عن المجازر التي ينفذها شارون وبيغن وشامير ورابين... فالحقد في قلوب العصابة التي تحكم سورية ليس أقلّ من الحقد الذي يملأ قلوب اليهود. (ألا لعنة الله على الظالمين).
اللهم ارحم شهداءنا، وأكرم مثواهم، وأسكنهم الفردوس الأعلى، وانتصر لهم من عدوّهم. آمين.
وماذا كان مستقبل هذا المجرم. لقد كافأه المجرم الأكبر حافظ أسد، فانتقل من رتبة إلى رتبة حتى وصل إلى رتبة عميد. لكنه اختلف مرةً مع باسل أسد، فبدأ غضب حافظ أسد عليه، فتوقف ترفيعه عند هذه الرتبة، وبدأ وضعه النفسي يتردّى، ويتردّى معه وضعه البدني حتى انتهى به الأمر إلى أن ينتحر في صيف 2009م، وبعد شهرين آخرين وُجدت ابنته رُدينة ميتة داخل سيارتها، وقيل يومها: إنها أصيبت بجلطة، وقيل: بل إنها ماتت بسبب جرعة زائدة من المخدرات التي كانت تتعاطاها.
إنها صفحة من صفحات شعبنا الذي اصطلى بنار هذه الفئة القذرة.
وسوم: العدد 878