أي قلق في حضرة محمود محمد شاكر
بلغني أن لمحمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا، شريطا تسجيليا أَنشدَ فيه بعض قصائده؛ فزرتُه فيه عصر الجمعة 10/1/1992، أقايضه إنشادا بإنشاد؛ فاستسخفَ الاقتراح:
- إذا أردتَّ فأنشِد من غير تَمَحُّلَ!
فطلبت نسخته من كتابه "أباطيل وأسمار"، أُنشد ما أَعجبَه فأورده للشريف الرضي من نونيته النفيسة "مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا"، فأبى عليَّ:
- إذا أردتَّ فأنشِد من حفظك إلا أن تكون غير ذي حِفظ!
- لقد كنتُ أحفظ القصيدة لا أعبأ بزيادتها على المئة!
- فأين هذا؟
- إنما أخشى ألا آتي بالأبيات مرتبة!
- قُل عشرة أبيات فقط!
- أُنشدُك شعرا حديثا؟
- مِن مثل شعر صلاح عبد الصبور!
- بل من المنسرح بحرًا والقاف رَويًّا...
وأنشدته:
حَبائبي منذ كنتُ أربعةٌ أَسلَمْنني للمعيشة القلقةْ
بدَأْنني كائنًا بلا سِمةٍ ختمنني بالملامح الأرقةْ
خرجتُ من هذه لِتُدخلني الأخرى في مكنوناتها الزَّلِقةْ
أَزلَق في طيِّ ما تُكنُّ فلا أبرَح إلا إلى هَوَى عَبِقةْ
وعَبْقُها لازمٌ وذو مِقَةٍ يَلصَق بي كالوَطاوط الشَّبِقةْ
أَعبَقُ كرهًا وربما ذهبَت نفسي لأخرى للسِّحر مُختلَقةْ
حبائبي كالفصولِ دائبة حبائبي كالفصولِ مُفترِقةْ
حَبيبةٌ كالشتاء باردة أَلبَس منها الملابسَ الصَّفِقةْ
فَضِلَّةً أَرتجي لِتَفهمني تَجهَلُ في الحب نارَه الحَرِقةْ
لَقيتُها مرةً قدِ اشتعلَت بردًا وأبدَت شعائرَ الصَّعِقَةْ
سَيِّدَتِي آسِفٌ سألبسُها وقايةً مِن سهامك النَّزِقةْ
حَبيبةٌ كالربيع ناعمة حانية كالنَّعيم مُرتفِقةْ
إِنْ تَبدُ لي فالإعصارُ مُنعصرٌ والثلجُ دِفءٌ والنارُ مُنخنِقةْ
أَتركُني كالسِّوار في يدِها يُسعدني أَن تَظلَّ مُسترِقةْ
فَدَيتُها أَن تَضيق ثانيةً أَذَبتُها في دمائيَ الدَّفِقةْ
حَبيبةٌ كالمصيف حارقة تَكرهُ في الحب هَدْأَةَ الشَّفَقةْ
تُريدني كالسيولِ هادرة تُريدني كالخيولِ مُنطلِقةْ
ما أنت إلا شيطانةٌ خُلِقَت خارجةً عن طبائعِ العَلَقةْ
سَيِّدَتِي هَوِّني على رجلٍ يَكْرُبُه أن تُعنِّتي خُلُقَهْ
حَبيبةٌ كالخريف واقفة في الحُبِّ فوق الأعرافِ مُؤتلِقةْ
لا ظِلُّها دائم ودَيدنُها اَلمزجُ بين العواطف الفَرِقةْ
أُحبُّها تارةً وأَكرهُها تُخرج مني كراهةً ومِقَةْ
شَقَّت صفوفي فأحدثت خَوَرًا في مَنطِقي غيرَ أنها لَبِقَةْ
حَبائبي كالغَريمة التَّئِقَةْ لكنَّني كالمَدينة المَئِقَةْ
فكيف تَبدو الطباعُ مُتفقَةْ لا غَروَ تَبدو معيشتي قَلِقَةْ
- لمن هذا الشعر؟
- ... لي!
- لهذا تُمثِّلُه!
- فكيف وجدته؟
- لا بأس، يكفي أنه خلا من خُنوثة شعر اليوم!
- والإنشاد؟
- لا بأس، ولكن دَع التمثيل!
ثم لم ألبث أن استأذنتُه في الذهاب؛ فودعني حَفِيًّا:
- زرنا نسمع شعرك البايخ!
ثم بعدئذ حصلتُ على الشريط واقتطعت منه ما ضمنته:
http://mogasaqr.com/2014/06/30/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d8%b0-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b4%d8%a7%d9%83%d8%b1-%d8%ad%d9%84%d9%82%d8%a9-%d8%a5%d8%b0%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9/
حلقة مساء 12/6/2001، من برنامج "حديث الفكر" بإذاعة الشارقة، التي جعلتُها له، رحمه الله، وطيب ثراه!
وسوم: العدد 880