لماذا نتفاءل؟
في هذه الأيام العصيبة أرسلَ إليّ أحد الأصحاب من الشمال السوريّ، يقول: لماذا نتفاءل؟
أجبتُه: لجملة من العوامل والأسباب نحن مدعوون إلى التفاؤل، وإبعاد اليأس، والتخلّي عن القنوط والجزع.
- أولها: لأنّنا مسلمون، وتعاليم هذا الدين تحثُّنا على التفاؤل، والابتعاد عن القنوط، ونحن مأمورون بنشر ثقافة التبشير، وترك ما يدعو إلى التنفير؛ فالأمور مقاديرُها بين يديّ خالق هذا الكون ومُدَبِّره، وما نحن إلّا كريشةٍ في مهبِّ ريح القَدَر.
- ثانيها: مَنْ يقرأْ في التاريخ، وينظرْ في الحاضر؛ يجِدْ أنّ الأيام تطوي البشر رغم أنوفهم، وتلفّهم أحداثُها، كائنًا من كانوا، مهما بلغَتْ قوتُهم، وتطاول بنيانُهم، و عظُم جبروتُهم.
- ثالثها: لقد مرّت عليَّ سنون ليسَتْ بكثيرة، عشتُها متنقلًا بين الحواضر والبلدان، رأيتُ فيها ما يدعو إلى العبرة والتفكُّر، ويشحنُ ما بداخلي بشحنات كبيرة من الأمل والتفاؤل.
لقد قابلتُ عددًا من الشخصيّات: منهم العادي، الذين نهضتْ به الأيامُ فأصبح في علية القوم، ومنهم أصحاب المقامات، الذين رمَتْ بهم طوارق الليالي في دركات الحياة السفلى.
لقد قابلتُ من الرؤساء والزعماء ثلاثة عيانًا، هلكوا وماتوا، واندثرَ ما كان لهم من العزّ والسلطان، وصاروا خبرًا بعد عين.
لقد كانت لي صحبة مع عدد من المسؤولين وأصحاب القرار في عدد من البلدان، وكنتُ أراهم في موضع يغبطون عليه لما هم فيه من نعيم الدنيا وعزّ السلطان؛ فإذا هم اليوم في حالة لا يحسدون عليها، ولا يتمنّاها أحدٌ ممّن سواهم.
لقد هلكَ وماتَ ما يقرب من العشرين من الزعماء ( الزعماء )، في سني حياتي التي أصبحتُ فيها معنيًّا بالشأن العام، ومتابعة الأحداث، والكتابة في تحليلها والتعليق عليها.
لقد نُقِضتْ أنظمة في عدد من الدول على مشهد منّي، وتبدّلت أحوالها السياسيّة، ونقضت أحجارُ حُكمها عقبًا على رأس، وأصبح أهلها في حالة رثّة، وكأنّما ما عاشوا يومًا في عزّ وسلطان.
كلّ ذلك ثمّ يسألني مَنْ يسألني: لماذا نتفاءل؟.
وسوم: العدد 881