حزيران صفحة سوداء تدمي قلوب السوريين(1-6)

يمر علينا شهر حزيران كعادته كل عام متوشحاً بالسواد؛ مستذكرين ما قام به حافظ الأسد عام 1967 بصفته وزيراً للدفاع السوري، وقد أصدر أمراً لجيشه بالانسحاب الكيفي أمام العدوي الصهيوني الذي تقدّم إلى جولاننا المنيع يوم الخامس من حزيران عام 1967 بتخطيط واتفاق سري بين ابن اليهودية حافظ الأسد وأسياده في تل أبيب، ليغنم أسلحة الجيش بكامل عتادها، ومنها ما كان لم يُستعمل أو يُجرب بعد، وقد وصل العميد أحمد المير قائد الجبهة الفار بحسب تعليمات سيده حافظ الأسد إلى دمشق، على ظهر حمار بعد أن استبدله بسلاحه وملابسه مع راع للأغنام وجده في المنطقة، ليحتل العدو الصهيوني خلال سويعات الجولان، دون إعطاء الأوامر للجيش السوري من الدفع أو المدافعة، فلم تقع هناك حرب أو معارك تذكر، وقد خًبرت الجولان ومناعته من خلال تأدية خدمتي العسكرية فيه، وهو الذي يُطلق عليه اسم "خط ما جينو الشرق"، لمناعته الطبيعية وما أقيم عليه من مواقع محصنة ومتاريس منيعة وخنادق مسلحة، تحول دون تقدم أية آليات مهما كانت تتصف به من قوة، وما وضع في ممراته وطرقه من ملاغم.

الأسد يعلن سقوط القنيطرة كذباً وتضليلاً

توّج الأسد الماكر الجبان فعله الخسيس بتسهيل تسليم الجولان بإصداره بياناً أعلن فيه عن سقوط القنيطرة مركز القيادة العليا للجولان، وفي هذا السياق يتهم وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الدفاع حافظ الأسد بالخيانة فيقول: (كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة، ودُهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني. فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي).

لابد لنا ونحن نستذكر سلخ الجولان عن الوطن بيد عميل خسيس، تمكن من أن يصل بمكره وتلونه إلى القبض على أهم منصب عسكري هو منصب وزير الدفاع، ومن خلاله تمكن من الانقلاب على رفاقه الذين وثقوا به فمنحوه هذا المنصب جهلاً أو غباء أو طمعا ليكون لهم نصيب من منظومة الحكم التي وصل إليها الأسد بمكره وخداعه، ولتتكرر حادثة ابن العلقمي الوزير الأول في الدولة العباسية، الذي سهل للتتار دخول بغداد وقتل أهلها وتدمير مكتباتها ودور عبادتها.

ولا بد ونحن نتحدث عن صفحة حزيران السوداء ومن كان وراءها أن نعرج بالحديث عن الرجل الخبيث الذي كان وراء تلك الصفحة السوداء حافظ الأسد، الذي كان ظاهرة غريبة في تاريخ سورية، ويعتبر استمراره في الحكم ثلث قرن من الزمن، من خلال البطش والإرهاب والتفريط بمقدرات البلاد أشد غرابة، ناهيك عن توريث أسرته الحكم في سورية.

لقد قام الأسد بعد صراع مرير منذ عام 1963م بما سماه الحركة التصحيحية في (16 تشرين الثاني عام 1970م) بحبك مؤامرات ضد شركائه الباقين من قادة حزب البعث، ورموز الطوائف الأخرى، وأصبح رئيساً للجمهورية بقوة الحديد والنار.

من هو حافظ الأسد؟

ولد حافظ الأسد في (6/10/1930م)، في قرية قرداحة التابعة لمحافظة اللاذقية، ونشأ نشأة فقيرة، في أسرة دون مستوى أقرانها، وكان جده سليمان الوحش (الأسد فيما بعد) ممن وقعوا على وثيقة رفعت للمستعمر الفرنسي، تضمنت الاعتراض على وحدة سورية واستقلالها، وطالبت باستمرار استقلال (الدويلة العلوية) تحت مظلة فرنسا.

وقد اتخذ حافظ الأسد حزب البعث مظلة لحكمه، بعد التخلص من قياداته التاريخية، مقرباً أفراد أسرته ومعتمداً على من ينتمون إلى طائفته.

اختار الأسد نفسه رئيساً للبلاد في مسرحية استفتائية لا إرادة حرة لناخبيه منذ عام 1970م، بنسبة (99.2%) من الأصوات، كما تزعم وسائل الإعلام المحلية، وهي نسبة سحرية، لا تعرف إلا في بلدان العالم الثالث.

وتتلخص خطة الحكم عند الأسد بأنه أحكم القبضة على البلاد بيد من حديد، معتمداً على طائفته وبعض السياسيين المتملقين ممن لا رأي لهم من خارج الطائفة، وكانت مهمة الوزراء المسلمين شكلية للاستهلاك المحلي والتمويه الفاضح، أما قادة الحزب المناوئون فقد سُجنوا أو قتلوا.

وقد اعتمدت خطة الأسد على:

- توفير الأمن للحكم ولأسرته ولأبناء طائفته الذين يتعاونون معه.

- السيطرة على القوات المسلحة مع الاعتماد على كتلة الضباط الموالين له من طائفته.

- تسخير الاقتصاد السوري لمصلحة أسرته والمتنفذين الذين يدينون بالولاء لحكمه.

- صد كل تحرك شعبي معارض وسحق الاتجاهات المعارضة ومطاردة أصحابها في كل الأقطار.

- محو المقومات العربية والإسلامية للشعب السوري، ومحو هويته وأخلاقه، ونشر الفساد بكل أشكاله.

واقتضى ما سبق بيانه الاعتماد على أجهزة الحكم المتعددة التي بلغت سبعة عشر جهازاً قمعياً، كجهاز المخابرات، وجهاز أمن الدولة، اللذين يضمان أكثر من عشرين ألف شبيح ممن غسلت أدمغتهم وتحولوا إلى وحوش مفترسة، وقياداته كلها من طائفته الموالين له، وكانت مهمة هذين الجهازين هي التجسس على الناس، والتدخل في حياة الناس الشخصية، واعتبار كل مواطن مداناً حتى تثبت براءته. وهناك جهاز الأمن المركزي، والأمن السياسي، وفرع فلسطين، والمخابرات الجوية وغيرها، ناهيك عن السجون والمعتقلات الرهيبة في كل محافظة، وما فيها من صنوف التعذيب وآلاته الرعيبة، وسرايا الدفاع، التي كانت تضم أكثر من عشرين ألف شبيح.

المصادر

*مجلة نضال البعث.

*البعث والوطن العربي.

*جريدة المناضل-عدد 94 شباط 1977.

*حول تجربة الوحدة-القيادة القومية-شباط 1962م.

*عبد الكريم زهر الدين: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية-أيلول-1961-آذار 1963م.

*منيف الرزاز: التجربة المرة-بيروت-دار غندور 1967م.

*كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي-محمد فاروق الإمام

حزيران صفحة سوداء تدمي قلوب السوريين(2-6)

أبرز ملامح سياسة الأسد الداخلية

لقد ظهرت الخلفية الحزبية والطائفية بأحقادها وشرورها من خلال إشاعة التحلل الخلقي، وانتشار الرشوة، فعم الفساد والذعر والإرهاب داخل البلاد وخارجها. وأضحى النظام الحاكم أشبه بنظام عصابات المافيا، وبشريعة الغاب، وبات الناس يعيشون في حالة من الفوضى لا مثيل لها، فالقوي يبطش بالضعيف، وانتشرت المظالم والمنكرات، وتحولت أغلبية الشعب تحت وطأة هذا النظام إلى مجموعات فقيرة، تجهد نفسها من أجل تحصيل لقمة العيش إذ أن البلاد ومنذ أكثر من أربعين عاماً وهي تُحكم بالحديد والنار، في ظل قانون الطوارئ المعلن منذ 8/3/1963م.

فالحاكم العرفي، يملك حسب قانون الطوارئ أن يفعل "بأي مواطن أو مقيم على أرض سورية، أو مار بها" ما يشاء، بمصادرة حقه في الحرية وحجزه إلى آماد غير محدودة، قد تصل لأكثر من ثلاثين عاماً مع مصادرة أمواله المتحولة وغير المنقولة ويشمل مصادرة حقه في الإقامة والتنقل، وحرمان المواطن من وثائق السفر وغيرها. أما السجون فقد غصت بالمعتقلين الذين يعدون بعشرات الآلاف، ومازال الناجون منهم يروون قصص التعذيب الوحشي، وفيها تصوير حالات الإعدام والقتل في تلك السجون، وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب "شاهد ومشهود" لصاحبه: محمد سليم حماد، صدر عام 1998م، بعد أن سجن صاحبه 11عاماً، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه صاحبه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء، والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن.

اللجنة العسكرية هي المرحلة الأولى لوثوب الأسد إلى قيادة البلاد

كان معظم أعضاء اللجنة العسكرية ليسوا مع القيادة القومية، ولا مع القيادة القطرية في حزب البعث، وهذا يعني في الحقيقة بأنهم لم يكونوا لا من اليمين ولا من اليسار. وهم في الواقع ليسوا سوى عسكريين، وما يسعون إليه ويبحثون عنه هو السلطة، أولاً في الجيش ومن ثم في الدولة والحزب. فكل الوسائل جيدة لديهم إذا كانت توصل إلى الهدف. وتكتيكهم يتلخص في إبعاد خصومهم وحلفاء الطريق مجموعة بعد اخرى، وعدم الدخول في معارك على جبهات متعددة في نفس الوقت. حتى يبقوا ويستمروا (سادة الموقف).

وتجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى أن أي عضو من أعضاء اللجنة العسكرية لم يشترك في المباحثات الثلاثية المصرية-السورية-العراقية في القاهرة. بل اقتصر عملهم في هذه الناحية على إرسال عسكريين غير بعثيين أمثال: اللواء لؤي الأتاسي واللواء زياد الحريري واللواء فهد الشاعر. أما فيما يخصهم هم، فإنهم حذرون إلى أبعد حدود الحذر، فقد بقوا قابعين في دمشق، يراقبون أو يقمعون أية حركة معارضة عسكرية كانت أو شعبية.

ضباط اللجنة العسكرية فاقو عبد الناصر مكراً وخداعا

ضباط اللجنة العسكرية تفوقوا في حربهم لعبد الناصر، على أساليبه وتكتيكاته، ليثبتوا في هذا المجال أنهم كانوا تلامذته الأذكياء، فهم يدركون تمام الإدراك أن من يملك الجيش، يملك في نفس الوقت القوة والسلطة.

منذ نجاح حركة 8 آذار وخلال خمسة أشهر، نجح البعثيون في تصفية وإبعاد خطر كل السياسيين، المدنيين والعسكريين الذين كانت توجه إليهم تهمة الانفصال، ومن ثم الناصريين، وأخيراً حلفاؤهم من الضباط المستقلين: لؤي الأتاسي وزياد الحريري، ثم الانقضاض على من ينتمي إلى الطوائف الأخرى (دروز واسماعيليين).

أما اللواء لؤي الأتاسي، فقد اعترض على تنفيذ أحكام الإعدام الكيفية وعمليات القمع الدموية الواسعة التي استهدفت أهل السنة حصرياً، وعليه فقد أقيل من منصبه كقائد للجيش وكرئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة، وحلَّ محلّه اللواء أمين الحافظ، الرجل القوي آنذاك - كما صوره أعضاء اللجنة العسكرية - ليلعب دوراً مرسوماً له بدقة وإتقان سواءً أعرف أم لم يعرف.

أما فيما يتعلق بأعضاء اللجنة العسكرية الذين اشتركوا في مؤتمرات حزب البعث، فإن موقفهم ظاهرياً كان موقف المتفرج أمام الصراع بين التيارات القطرية والقيادة القومية - يستثنى من ذلك اللواء محمد عمران الذي كان يدعم خط القيادة القومية في مواقفه - فهم لم يشتركوا عادة في المناقشات أو إلقاء الكلمات أو المداخلات، وذلك في السر ووراء الستار، كان همهم الأكبر ينحصر في أن يكونوا محور الرحى للسلطة والمرجع السياسي لها. فقد كانوا ينظرون بعين الرضى والسرور، للهجوم اللاذع والعنيف الذي كان يوجه من قبل البعثيين المتطرفين، إلى ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار على وجه الخصوص.

المصادر

*مجلة نضال البعث.

*البعث والوطن العربي.

*جريدة المناضل-عدد 94 شباط 1977.

*حول تجربة الوحدة-القيادة القومية-شباط 1962م.

*عبد الكريم زهر الدين: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية-أيلول-1961-آذار 1963م.

*منيف الرزاز: التجربة المرة-بيروت-دار غندور 1967م.

*كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي-محمد فاروق الإمام

وسوم: العدد 881