عنصرية الشاعر إيليا أبي ماضي ضد السود في أميركا
إيليا أبو ماضي ( 1889 _ 1957 ) من كبار الشعراء العرب المعاصرين ، والأول مقاما بين شعراء المهجر العرب في شماله وجنوبه ، وصاحب فلسفة التفاؤلية في الحياة الذي عبر عنه في صور كثيرة ، أشهرها في قصيدته " ابتسم " التي يستهلها ب : " قال الحياة كئيبة " وتجهما ، قلت : " ابتسم ! يكفي التجهم في السما " . ومن جمالياته الفنية البارعة في شعره أن قوافيه تأتي انسيابا حتميا للبيت الشعري في معناه وصياغته ، ولا يمكن أن تحل محلها كلمة سواها ، وبهذه المزية الفنية يتوقع القارىء ذو الثقافة الأدبية واللغوية المعقولة قوافيه قبل الوصول إليها . وامتدحه الدكتور طه حسين حين نقد ديوانه " الجداول " واصفا له بأنه شاعر " مجيد حقا ، خصب الذهن ، نافذ البصيرة ، ذكي القلب ، متقن الفهم لما يريد أن يقول ، موفق إلى إجادة التصوير لما يحب أن يصوره " إلا أنه عاب عليه لغته : " ولست أزعم أن لغة الشاعر رديئة أو منكرة ، ولكنها تقارب الرداءة أحيانا حتى توشك أن توغل فيها إيغالا " .
وما فتئنا نردد محبين له قوله دفاعا عن فلسطين : " ديار السلام وأرض الهنا * يشق على العرب أن تحزنا " ، و: " فقل لليهود وأشياعهم * لقد خدعتكم بروق المنى "
"فليست فلسطين أرضا مشاعا * فتعطى لمن شاء أن يسكنا " .
هذا الشاعر العربي اللبناني الجميل سقط في قصيدته " فلوريدا " سقوطا عنصريا مقيتا ضد السود في أميركا . ومناسبة القصيدة أنه زار ولاية فلوريدا ( كلمة أسبانية تعني " الزهراء الخضراء " جنوب شرقي الولايات المتحدة للالتقاء بلبنانيين وعرب وإنشادهم شيئا من شعره ، فسحرته الولاية بجمال طبيعتها في شجرها وزهرها ومائها وطيرها ، وخاطبها في مطلع القصيدة : " يا جنة قبلما حلت بها قدمي * أحببتها متعة واشتقت راويها " ، ويمضي فيها إلى قوله : " سئلت : ما راق نفسي من محاسنها ؟! فقلت للناس : باديها وخافيها " ، ويذكر أنه أحب أشجارها كاسية وعارية ، وأزهارها نامية وذاوية ، ويجمل انطباعه عنها وانفعاله بها ، فيصرح
: " كل الذي لاح لي في أرضها حسن * وأحسن الكل في عيني أهاليها " ،
ويتبع البيت بسقوط عنصري مقيت قبيح حين يستثني السود من حسن " أهاليها " متحسرا مستنكرا : " إلا ذوو السحن السوداء ، واعجبا ! * أجنة وذباب في نواحيها ؟!
إني ليكبت روحي أن ألاحظهم * بمقلة أبصرت فيها غوانيها "
السود في عينيه ذباب يستغرب وجوده في فلوريدا ، ويعزي ، من يعزي سوى البيض ؟!
ناصحا : " دع المساوىء في الدنيا فما برحت * فيها محاسن تنسينا مساويها "
" كم حاول الليل أن يطوي كواكبه ! * فكان ينشرها من حيث يطويها "
وهو في البيتين السابقين اللذين ينصح فيهما البيض بالتعزي عن وجود السود بين ظهرانيهم ؛ يعود إلى تفاؤليته ، لكن في ظل مستنقع العنصرية . ما من مصدر اجتماعي أو ثقافي أو فكري عربي لعنصرية أبي ماضي التي تعريها هذه القصيدة ، والمصدر الوحيد لها هو المجتمع الأميركي الذي كانت فيه العنصرية في ذلك الزمان في أعلى مستوياتها ، وتغلبت هذه الثقافة على ثقافة أبي ماضي العربية الإسلامية المتسامحة ، وكل عربي مهما كانت ديانته أخذ من هذه الثقافة بنصيب قل أو كثر ، وأبو ماضي ارتحل إلى أميركا في التاسعة عشرة من عمره ، فسهل تأثره بالثقافة الأميركية العنصرية التي تناقض ما في شعره وشعر غيره من المهجريين العرب من نزعة إنسانية واضحة صادقة . حثني على مراجعة عنصرية أبي ماضي في قصيدته قتل الشرطة الأميركية لفلويد قتلا وحشيا لا مبرر له سوى سواده .
وسوم: العدد 882