تقديس أعلام السلف
كلما زادت الإحباطات في عصرنا، اتجه أصحاب التدين العاطفي إلى الماضي وولّوا وجوههم شطر التراث؛ ليعوضوا شعورهم بالغيظ من واقعهم وليبحثوا فيه عن الدواء الذي يمنحهم التوازن النفسي.
ولا تزال هذه الحالة المَرَضية تستفحل وتتطور من سيء إلى أسوأ، حتى وجدنا الكثير من المصابين بها يبالغون في تقدير التراث من دون غربلة، ويُهيلون نوعا من القداسة على التراث، ويرون أن الأمة لا يمكن لها أن تغادر ما تعيش فيه من تخلف إلا بتقليد السلف.
ويصير أعلام السلف عند هؤلاء شخصيات أسطورية ذات قدرات خارقة، وتُمنح أقوالهم عصمة تجعلهم أقرب إلى من لا ينطق عن الهوى، وكلما حاول مجتهد أن يبحث عن حل مبتكر لمشكلة من مشاكل عصره تطوع من يُبرز عصى التبديع في وجهه، فالحلول كلها موجودة هناك في خزانة التراث وفي كتب العلماء القدامى !
ومما أعجب له في هذا المقام اتساع المسافة مع الأيام بين ما يقوله التقليديون بألسنة المقال وبين ما يفعلونه بألسنة الحال، حيث يتلون قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخُذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، لكنهم بألسنة الحال يقولون: وما آتاكم الشافعي فخذوه او الغزالي أو مالك أو أبو حنيفة أو مالك أو ابن تيمية..الخ. ويرددون بألسنة المقال: "كلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد إلا المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم"، لكنهم بألسنة الحال يدافعون عن أئمتهم ومشائخهم ولا يقبلون أي نقد لهم وكأنهم لا ينطقون عن الهوى وإنما عن وحي يوحى!
وسوم: العدد 882