أكلّ صوت مخالفٍ ، لصوت صاحب القرار، هو نشار، بالضرورة (صوتُ قاق)؟
كان مدرّس الموسيقى العجوز، يعزف بعوده ،ويأمر تلاميذه ، في المرحلة الإعدادية، بترديد النشيد الخاصّ بثوة الجزائر: (قسَماً بالنازلات الماحقاتْ ، والدماء الطاهرات الزاكياتْ .. نحن ثرنا ، فحياةٌ أو مَماتْ .. وعَقدنا العزمَ أن تحيا الجزائر.. فاشهَدوا فاشهَدوا فاشهَدوا) ! وكان التلاميذ يردّدون النشيد ، على ألحان المدرّس ، ونغمات عوده ! وقد كانوا ، كلهم ، في عمر واحد ، وأصواتهم ناعمة ، منسجمة فيما بينها، سوى تلميذ واحد ، كان يَكبرهم في العمر، قليلاً ، وكان في صوته خشونة ، فكان المدرّس يصرخ في وجهه ، قائلاً : أنت اصمت ، لاتنشد مع زملائك ! وحين يصرّ التلميذ على الإنشاد، يقول المدرّس ، صارخاً: أنت لاتَقلْ، صوتُك مثل صوت القاق!
كان التلاميذ يعتقدون ، أن من حقّ مدرّس الموسيقى ، أن يُخرس الصوت ، الذي لايعجبه ، أو لاينسجم مع لحنه ! وربّما كانوا محقّين في هذا ! وربّما كان مدرّس الموسيقى محقّاً ، في إسكات الصوت ، الذي لايناسب لحنه !
لكن، حين كبر التلاميذ ، عرفوا أن في الكون آخرين ، مثل مدرّس الموسيقى ، يقمعون الأصوات التي لاتعجبهم ، وهؤلاء منتشرون في الزمان والمكان !
منهم: رئيس الدولة المستبدّ المتسلط ، الذي يقمع كلّ صوت مخالف لصوته !
ومنهم : أصحاب الآراء ، الذين يُلزمون أتباعهم ، بسماع أصواتهم ، وحدها !
ومن هؤلاء :
رؤساء الأحزاب .. رؤساء النقابات .. رؤساء الأندية .. رؤساء الأحياء في المدن.. مخاتير القرى .. وهكذا !
ولعلّ من المناسب ، في هذا السياق ، التذكير ببيت المتنبّي ، مخاطباً سيف الدولة، والذي يقول فيه :
ودَع كلّ صوتٍ ، غيرَ صوتيْ ، فإنني أنا الصائحُ المَحكيّ ، والآخَر الصَدى
ومن الواجب التذكير، هنا ، بأن صاحب القرار، الذي لايحبّ أن يسمع ، غير الصوت المناسب له ، أو المؤيّد لصوته .. ليس قادراً ، بالضرورة ، على قمع كلّ صوت مخالف ؛ فرُبّ صوت يفرض نفسه ، على صنّاع القرارات ، برغم إراداتهم، ولا يملكون إلاّ الخضوع له !
وسوم: العدد 882