رسائلُ متبادَلَة بين أطراف أستانا في الملفّ السوريّ
كعادتها، نجد الأطراف المُتدخِّلة في الملفّ السوريّ، تتبادل الرسائل فيما بينها كلّ حين، تهدف من خلالها إلى ضبط الإيقاع في مناطق نفوذها، وبيان ما هو خطوط حمراء أمام استراتيجيتها فيه.
ولاسيّما بعدما أصبحت على قناعة بأنّ الأمور متجهة إلى توافقات في هذا الملف، وأنّ بقاء الأمور على ما كانت عليه، لم تعُدْ مرضية، وهي قد تشوش على ما هي بصدده من ذلك.
فالروس ومن خلال أحمد العودة، الذي أعلن عن تشكيل جيش حوران من الفيلقين الخامس والتاسع، لضبط الفلتان الأمني في مناطق حوران، ولاسيما بعد مقتل تسعة من أنصاره، حين عودتهم من معسكر لهم في سلمى، على يد كمين نصب لهم من حزب الله، ومن خلال تبادل التصعيد مع الإيرانيين في البوكمال، قد أرسلوا رسالة مهمة إلى إيران، ويبدو أنّ الموضوع مرتبط بأمور أخرى تتعلّق بالموقف ممّا يجري في ليبيا، ولاسيّما بعد اصطفافها إلى جانب حكومة الوفاق، بحسب تصريحات الوزير ظريف قبل أيام في إستنبول.
وأوضحُ ما كان في تلك الرسالة، عندما قامت القوات الروسية في دير الزور، باستقطاب عناصر من الميليشيات الإيرانية، لتجنيدهم وتدريبهم وإرسالهم إلى ليبيا، مقابل رواتب مغرية، أعلى من تلك التي تدفعها عادة للمقاتلين السوريين الذين جندتهم خلال الأشهر القليلة الماضية.
وذلك في خطوة اعتبرها المراقبون لتحقيق عدة مكاسب آنية ومستقبلية، في سورية وليبيا معًا، على حساب إيران بالدرجة الأولى، وتركيا بالدرجة الثانية، وهي نقطة خلاف جديدة تضاف إلى ملف تعارض المصالح بينهما.
وقد ترافق ذلك مع قيامها بتعيين العقيد يونس علي محمد، الذي كان مشرفًا رئيسًا على عمليات ميليشيات النمر الأخيرة في إدلب، نائباً للعميد سهيل الحسن، قائد الفرقة 25 مهام خاصة، المعروفة بميليشيا قوات النمر، بدلاً عن العميد الركن صالح العبد الله، الملقب بالسبع، الذي قالت مصادر إعلامية إنه تسلّم اللواء ( 16 ) المشَكّل حديثاً من قبل روسيا.
تأتي هذه التغييرات العسكرية الجديدة، وسط هدوء جبهات إدلب، التي تحرص مع تركيا على المحافظة عليها، وعدم السماح لأيّ من الأطراف بإحداث اختراق فيها، ولاسيّما بعد سلسلة التقارير التي تؤكّد سيطرة المليشيات الإيرانية عليها من جانب النظام، وهي تدفع بعناصر لها بين الحين والآخر للتشويش على تفاهمات الخامس من آذار بين الرئيسين: بوتين، وأردوغان.
وهي ذات المضامين التي يمكن قراءتها في الرسالة التي أرسلتها تركيا، من خلال قيام هيئة تحرير الشام بتفكيك غرفة عمليات ( فاثبُتُوا )، التي تأكّد لتركيا أنّ المسمَّيات المنضوية فيها تقوم بأدوار وظيفية، من أجل التشويش على تفاهماتها مع روسيا بخصوص إدلب، وإرباكها في الملف الليبيّ.
فكان أن أوعزت إلى الهيئة بالتحرّك لتفكيكها، من خلال الاشتباك المباشر معها في منطقة الروج/ غرب إدلب، ومن خلال سلسلة الإجراءات التي اتخذتها لاحقًا، بحصر العمل المسلح تحت سقف غرفة عمليات ( الفتح المبين )، التي تضمّ برئاستها ( أحرار، وفيلق الشام ).
وغير بعيد أن يكون الحكم الصادر، يوم الثلاثاء: 30/ 6- الفائت، بالسجن ( 5 ) سنوات، على قائد فصيل شهداء الشرقية، (عبد الرحمن الحسين بن محمود، أبو خولة: تولد 1981/ رأس العين، شمال الحسكة)؛ لاتخاذه قرارًا منفردًا بالهجوم على أجزاء داخل بلدة تادف/ الباب، في: الأول من شهر/ 2/ 2020، في ردة فعل على الهجوم على إدلب حينها. من ضمن الرسائل التي أخذت تركيا ترسلها إلى أكثر من طرف، بأنّها قد حزمت أمرها في التعامل مع مجمل الأوضاع، في المناطق التي تبسط نفوذها عليها، بكثير من الحزم والأخذ على يد الفصائل، التي ما زال يستهويها السير على ذات النهج الذي ألفته، قبل التدخل التركي المباشر في تلك المناطق.
ويرجّح أن يعقب ما شهدتُه إدلب مع غرفة ( فاثبتوا )، وما كان من هذا الحكم على أبي خولة، رسائلُ أخرى أشدُّ وضوحًا، سينتج عنها إعادة تشكيل المشهد العسكريّ والأمنيّ في عموم تلك المناطق، ولاسيّما بعد النقاش الذي شهدته تلك المناطق عقب التدخّل التركيّ في الملف الليبيّ.
تأتي هذه الرسائل قبيل يوم من اجتماع عبر الفيديو، أعلن عنه الكرملين، وسيضم إلى جانب الرئيس بوتين، نظيريه: أدروغان وروحاني، يوم الأربعاء: 1/ 7/ 2020، لمناقشة الملف السوري.
وبعد تأكيد السعوديّة على رؤيتها في شكل الحل القادم في سورية، بعد المتغيّر الأمريكي منه، عقب دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في: 17/ 6، حيث أعلن وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، يوم الثلاثاء: 29/ 6، على هامش مشاركته في أعمال مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سورية، عن تأكيد المملكة على دعمها الشعب السوري، فيما أسمتها ( المعاناة المستمرة )، وتأكيدها على الحل السياسي القائم على مسار ( جنيف1 )، والقرار الدولي (2254 )، كطريق وحيد في الملف السوريّ.
وسوم: العدد 883