ذكرى رحيل الرئيس محمد مرسي فرصة ليستخلص كل رئيس عربي قادم يكون منتخبا ديمقراطيا درسا كي لا يواجه نفس المصير
حلت الذكرى الأولى لرحيل الرئيس المرحوم محمد مرسي ، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطيا ، وقد كانت نهايته مأساوية حيث قضى وهو في الأسر ، ولا زال رحيله يلفه الغموض والشكوك، الشيء الذي جعل كفة فكرة اغتياله ترجح على كفة فكرة موته بسبب علته ، وحتى وإن كان أجله بسبب علته لما أعفى ذلك من المسؤولية عن موته من كانوا يعتقلونه ظلما لأنه لم يكن أسيرا عاديا بل كان الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا والذي يتحمل جيشه مسؤولية الغدر به لأن أخلاق الجندية تقتضي أن يخلص الجيش لرئيس شرعي اختاره الشعب الذي يلزم كل جيش أن يحترم إرادته لأنها تأتي بعد إرادته الله عز وجل .
وخلافا لما كتب عن ذكرى رحيل الرئيس المغدور، والذي انصب حول التعبير عن الأسف والأسى على موته بتلك الطريقة المأساوية ، لا بد أن تكون هذه الذكرى فرصة ليستخلص مستقبلا كل رئيس عربي منتخب ديمقراطيا درسا كي لا يواجه نفس المصير المؤلم . ولا شك أن الرئيس مرسي قد ضحى من أجل أن يستخلص درسا من تضحيته من سيأتي مستقبلا بعده وهو على شاكلته تقي الدين ،سويّ الطوية، نظيف اليد ، صادق الوطنية ، حسن الظن بالبطانة المحيطة به ، وبشعبه، وبالأمة العربية والإسلامية ، وبحكامها ، وهي كلها صفات يجب أن تكون فيمن يتولى أمر الشعب إلا أنها وحدها لا تكفي إذ لا بد معها من زيادة فطنة ودهاء ،وهو ما لا ينقص الحاكم شيئا من الورع وتقوى الله عز وجل بل يزيده خبرة ،وفراسة ، ودراية بالعدو الخفي الذي يكون كيده أخطر من كيد العدو الجلي لأن هذا الأخير قد يسخره الخفي ليسد مسده في النيل ممن يستهدفه .
ولقد مرت في التاريخ البشري أخبار حكام مشهود لهم بالعدالة والاستقامة غدر بهم الغادرون ، وعلى رأس هؤلاء الخلفاء الراشدون الشهداء عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم والذين لم يكن أتقى منهم في تاريخ الأمة الإسلامية .ولقد استفاد من الغدر بهم حكام جاءوا بعدهم، ولم يكونوا في مستوى عدالتهم وتقواهم بل كان منهم أصحاب جور، فجعلوا الحيطة من البطانة على رأس أولوياتهم ، وكان بعضهم إذا ما ارتاب في صدق ووفاء البطانة نكبها نكبة سجلها التاريخ لتكون عبرة لمن يعتبر.
ولو أن الرئيس المغدور محمد مرسي بدأ بعجم أعواد قواد جيشه ،وهم أخطر ما يكون في البطانة لكون زمام الجيش بيدهم لاكتشف ما كان يحاك ضده داخليا وخارجيا من خلال المعرفة المسبقة والجيدة بهم دينا ، وخلقا ، ونسبا ،ومكانة، وتوجها ،وولاء ، وتكوينا ، وخبرة ، وفي المقابل المعرفة المسبقة والجيدة أيضا بأسوئهم خبثا، وغدرا، وخيانة .
ولقد كان انتخاب الشعب المصري أول رئيس بطريقة ديمقراطية شهد لها بالنزاهة والشفافية الأعداء قبل الأصدقاء والأشقاء فرصة لينتقل هذا الشعب الكريم إلى مرحلة ما بعد الرؤساء العسكريين المستبدين الذين سجل عليهم التاريخ أنهم فرطوا في قضية الأمة العربية الأولى وهي القضية الفلسطينية ، ذلك أن منهم من خسر الحرب بطريقة مخزية مع العدو الصهيوني ، ومنهم من وقع معه سلام العار والشنار ، ومنهم من مضى شوطا بعيدا في التصهين حتى طمع العدو الصهيوني في إنهاء القضية الفلسطينية من خلال ما بات يعرف بصفقة الفرن المخزية . فلو لم يغدر بأول رئيس شرعي في مصر لكانت قلب الوطن العربي النابض ، وقاطرته ، وحصنه ،ولكن مع شديد الأسف والأسى غدر بشرعيتها من خلال الغدر برئيسها الشرعي المنتخب ديمقراطيا والذي كان رمز عزتها ،وكرامتها، وشموخها، وطموحها لتصير إلى ما صارت إليه وشعبها آسف شديد الأسف عليها وعلى رئيسها المغدور ، وعلى فرصة ذهبية ضاعت لينطلق نحو نهضة طالما تطلع إليها ليخرج من فترة تخلف فرضه عليه الاستبداد ليقيد إرادته وهي إرادة لا ترضى بما دون الثريا علوا وشموخا .
وما دامت سنة الله عز وجل في الخلق أن يندحر الاستبداد مهما طغى وتجبر ، فإنه ترجى تجربة ديمقراطية أخرى في أرض الكنانة بمشيئة الله عز وجل لتكون بداية تجارب ديمقراطية أخرى في أقطار عربية يجثم الاستبداد على صدرها ،ويحول دون نهضة شعوبها النهضة الحقيقية المرجوة .
وأخيرا نقول لقد رحل الرئيس محمد مرسي لا لتطوى صفحته كما أراد من كاد له بل ليكون شعارا وحافزا على استماتة الشعوب العربية من أجل حماية الديمقراطية والشرعية في الوطن العربي الذي لا مستقبل لشعوبه دونها . ولا بد أن تبقى مناسبة انتخاب هذا الرئيس ومناسبة رحيله ذكرى يحتفى بها تعبيرا عن التمسك بالشرعية والديمقراطية ،وهو ما يقض مضاجع أعداء الشرعية والديمقراطية إقليميا ودوليا . وسيبقى غدر الرئيس مرسي وصمة عار على جبين الغادرين ولعنة تلاحقهم في العاجل والآجل يوم يعرضون على عدالة السماء وشعارها : (( لا ظلم اليوم )) .
وسوم: العدد 883