فَأنْتُمُ الطُلَقَاءُ ..!؟
يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ المُكْرَّمَةَ.. وَقفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَامَ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ يُخَاطِبُ قُرْيشاً وَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُريشٍ مَا تَرَونَ أنِّي فَاعِلٌ بِكِم ..؟ قَالُوا: خَيراً.. أخٌ كريمٌ.. وَابْنُ أخٍ كَريمٍ.. فَقَال صلى الله عليه وسلم: فَإنِّي أقولُ كَمَا قالَ أخي يُوسفَ: لا تَثْريِبَ عَلَيكُم اليَوْمَ.. يَغْفِرُ اللهُ لَكُم وَهُو أرْحَمُ الرَّاحِمين.. اذهَبُوا فَأنْتُمُ الطُلَقَاءُ.. فأنتم الطلقاء ..؟؟؟!!! هَكَذَا بِكُلِّ بَسَاطَةٍ وَطِيبةِ قَلْبٍ وَشَهَامَةٍ وَشَمَمٍ، تعامل صلى الله عليه وسلم مَعَ قُريشٌ التي عَادَتهُ وآذتْهُ وَحَاولَت قَتْلَهُ.. وَحَبَستْهُ في شِعَابِ جِبَالِ مَكْةَ المُكْرَّمَةَ بِلَا طَعْامٍ ولَا شَرَابِ ولَا تواصُلٍ ولاَ تَزَاوجٍ ..بل وَأخْرَجَتْهُ وحَارَبَتْهُ.. وألَّبَت قَبائِلَ العَرَبِ علَيهِ.. وَجَمَعَت الأحْزَابَ مِنْ كُلِّ مِلَةٍ وَدينِ.. وَجَاءَت تُرِيدُ اسْتِئصَالَ وَاجْتِثَاثَ دَوْلِةِ الإسْلَامِ في المَدينَةِ المُنَّورةِ.. أجل بِهَذِه الرَّحْمَةِ وبِهَذَا العَفْو وَالتَسَامُحِ الجَمِ ، تَعَامَلَ صلى الله عليه وسلم مَعَ أعْدى أعْدَائِه: اذْهَبُوا فَأنْتُمُ الطُلَقَاءُ ..؟! هَكذَا ومِنْ دُونِ اسْتِحْضَارٍ لِثَارَاتِ بَدْرٍ وأُحدٍ وَالخَنْدَقِ..؟! ومِنْ غَيْرِ اسْتِجْلَابٍ لِمَشَهَدِ جُثَةِ أحَبِ النَّاسِ إلى قَلْبِه: عَمَّهُ الحَمْزَة رَضي اللهُ عنْهُ, وقَد شُقَّ صَدْرُه.. وانتُزِعِتَ كَبْدُه .. لِتَلُوكُها أسْنَانُ هند بنت عتبه زَوَجَةُ أبي سِفْيَان.. بل وأكْرَمَهم وأعَزَّ مَكَنَتِهم فأعْلَنَ صلى الله عليه وسلم قائلاً: " مَنْ دَخَلَ بَيتَ أبي سِفيانٍ فَهو آمنٌ، وَمنْ دَخلَ الكعبَةَ فَهو آمنٌ.. ومَنْ أغْلَقَ عَلَيِه بَابَه فَهُو آمِنٌ ..أجل أيُّ تَكّرِيمٍ هَذَا ..؟! وأيُّ تَبّجيلٍ هَذَا ..؟! ولِمَ العَجَبُ ..؟! إنَّهَا النْبُوةُ ..إنّْهَا ثَقَافَةُ انْتِصَارُ الرَّحْمَةِ عَلَى ثَقَافَةِ الأحْقَادِ والكرَاهيَّةِ والبَغْضَاءِ.. إنّْها ثَقَافةُ انتصارُ رِسَالَةِ أنْسَنةِ قُدْسِيَّةِ حَيَاةِ الإنْسَانِ وحُرِّيَتِه وَكَرَامَتِه.. أجل مِنْ هُنَا نَبْدَأ.. وبِهَذَا نَبْنِي وَنُجَدِدُ ثَقَافَةَ وَقِيَمَ خَيْرَ أمَةٍ أُخْرِجَت للنَّاسِ.. اللَّهم هَا قَدْ ذَكّْرتُ , اللَّهُم فَاشْهَد.
وسوم: العدد 884